الأربعاء، 22 يوليو 2020

رواية "الناجون"؛ مداخل القراءة



صدرت رواية "الناجون" سنة 2012 عن دار فضاءات في الأردن، لتعانق خفقات الربيع العربي، ولتستعيد أحلام جيل السبعينات، التي اختنقت أو كادت، داعية إلى زرعها في أرضية جديدة اسمها "الأمل".
لا أستطيع أن أقدم وصفة جاهزة لقراءة هذه الرواية، لأن كل قارئ سيجد فيها شيئا من ذاته ومن ماضيه ومن أحلامه ربما؛ لذلك سأكتفي بالإشارة إلى بعض المداخل الأولية، التي يفضي بنا كل منها إلى جانب من جنبات هذا البناء السردي الباذخ: مدخل موضوعاتي، ومدخل تاريخي، ومدخل اجتماعي، ومدخل نفسي، ومدخل فني.
يفضي المدخل الموضوعاتي إلى تجربة النضال السياسي من الموقع الطلابي والثقافي، كما جسدها اليسار السبعيني في المغرب، وما ساوق ذلك من حديد ونار... فقد تتبعت الرواية - بشكل تخييلي باهر - مصائر مناضلين اكتووا بنار حب الوطن؛ فمنهم من أُخْفِيَ تحت الأرض ومنهم من رُمِي خلف الشمس؛ منهم من نُفِي ومنهم من شُرِّد. قامت حبكة هذه الرواية على استدعاء شخصيات لسعتها نيران المرحلة، فهامت على وجهها في الأرض، وسُميت في هذا المحفل السردي بـ"الناجون"، على سبيل الباروديا ليس إلا. وقد ارتبط بهذا الموضوع موضوعات أخرى كالحب والغيرة والهجرة والعودة والجنس....
أما المدخل التاريخي فيجعل الرواية وثيقة دالة على مرحلة عصيبة في تاريخ المغرب الحديث، حيث وصل الصراع مداه الأقصى، واستعملت السلطة أقسى أسلحة الحروب النفسية والبوليسية ضد من خالفوها الرأي. وإذا كان التاريخ يمر أفقيا على هذه المرحلة، فإن الرواية - بحكم طابعها التخييلي - تقف عند شقوق المرحلة ونتوءاتها وتعلاجاتها، لتحفر في عمق الإنسان بما لا يترك مجالا للنسيان.
أما المدخل الاجتماعي فيجعل من الرواية بحثا عميقا في طبيعة العلاقات الاجتماعية وتطورها وتحولاتها. وفي سياق ذلك هناك تركيز قوي على المرأة ودورها النضالي، وعلى علاقة الأجيال في ما بينها، وغير ذلك من قضايا ومضامين اجتماعية...
أما المدخل النفسي فيسمح بالنظر إلى الرواية على أنها غوص في أعماق الشخصيات، وسبر لمشاعر الحب والحسرة والغيرة. خصوصا وأنها تقدم شخصيات مكلومة ومثخنة بالجراح.
وأما المدخل الفني فهو يسمح باستكشاف مواطن الجمال في الرواية، إذ يجد القارئ نفسه بصدد نوع سردي طويل، قائم على بناء ملحمي تمثل فيه الشخصيةُ جيلا بأكمله، ويجسد فيه الحدثُ تاريخا معلوما. هذا بالإضافة إلى البعد الفكري والفلسفي، الذي تحركه مناقشةُ القضايا والإشكالات، وتتخلله المعارف والمعلومات؛ وبالإضافة أيضا إلى المظاهر التناصية التي لا تخطئها عين القارئ، حيث تحضر الأجناس الأدبية، وتلتقي الحوارات بالكتابة الترسلية وبالمذكرات وبالمشاهد السينمائية والمسرحية.
هذه مداخل خمسة أقترحها على قراء رواية الناجون؛ ولهم أن يكتشفوا مداخل أخرى عديدة لم أشر إليها، لعل منها المدخل السيري (أو البيوغرافي)، الذي يجعلنا نستدعي شخصية المؤلفة بصفتها مناضلة يسارية منذ سبعينيات ولا تزال، وبصفتها أحد الناجين (وإحدى الناجيات) في رواية "الناجون". قراءة ممتعة...
+++++
الأديبة الزهرة رميج، قاصة وروائية وشاعرة ومترجمة. أطلت على القراء سنة 2003 بمجموعة قصصية تحمل عنوان "أنين الماء"، ثم أتْبَعَتها بخمس مجموعات أخرى: "نجمة الصباح" 2006) و""عندما يومض البرق" (2008) و"أريج الليل" (2013) و"الشبرق" (2014) و"صخرة سيزيف" (2015). وظهرت للقراء سنة 2007 برواية "أخاديد الأسوار" (2007) ثم قَفَّتها بأربع أخرى: "عزوزة" (2010) و"الناجون" (2012) و"الغول الذي يلتهم نفسه" (2013) و"قاعة الانتظار " (2019). وبين قصة ورواية، كانت هذه الزهرة الأدبية تهدي قراءَها شعرا أو سيرة أو ترجمة ترجمةَ أو حوارا. فمن ذلك ديوانها "ترانيم" (2016)، وسيرتها "الذاكرة المنسية" (2017)، وحواراتها حول الكتابة والحياة "عيون تحدق في العتمة" (2015). ومن ذلك ترجماتها الإبداعية والنقدية: مسرحيتا عبد اللطيف اللعبي: "تمارين في التسامح" (2005) و"قاضي الظل" (2005)، ورواية باهية طرابلسي "امرأة ليس إلا!) (2005)، ورواية نفيسة السباعي "نساء في الصمت" (2006)، ورواية دان سي جي "عقدة دي" (2009)، والمجموعة القصصة "نهر سيشوان" لكاتبات صينيات (2008)، ورواية "حكايات الحرب" للياباني أكييوكي نوزاكا (2014)، وكتاب فرانك إيفرار حول "ألبير كامو" (2014).





    المسرح في العصر الوسيط ا لأستاذ عبد الواحد المرابط   يقع العصر الوسيط بين العصر القديم والعصر الحديث، حيث بدأ مع سقوط الإمبراطورية...