الأستاذ عبد الواحد المرابط
---------------------------------
"النبوغ المغربي في الأدب العربي" لمؤلفه عبد الله ﮔنون
كتب عبد الله ﮔنون (1326-1409هـ/1908-1989م) هذا
الكتاب ونشره سنة 1357هـ/1938م، بالمطبعة المهدية في تطوان[1] وهو يقع- حسب طبعته التي نعتمدها هنا- في ثلاثة أجزاء ضمن كتاب/مجلد واحد يستوعب
974 صفحة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمات يليها ثلاثة أجزاء، حيث خصص الجزء
الأول لـ«الدراسة» (ص.35-317)، وخصص الجزء الثاني لـ«المنتخبات النثرية»
(ص.631-943)، كما خصص الجزء الثالث لـ«المختارات الشعرية»(ص.631-1943)، ليختم ذلك
كله بلائحة تضم مصادر الكتاب (ص.945-961) ثم فهرس لمحتوياته (ص.963-974).
أما المقدمات فقد تشكلت مما يلي:
- مقدمة الطبعة الثانية (ص.5-13).
- عرض وتحليل بقلم شكيب أرسلان، كتبه سنة:1361هـ (ص.17-24).
- «أول تقريض»، بقلم محمد اليمني الناصري، سنة: 1357 هـ (ص.27-28).
- مقدمة الطبعة الأولى، بقلم المؤلف (ص.31-33).
وقد بادر عبد الله ﮔنون منذ السطور الأولى من مقدمة الطبعة الأولى
لكتابه إلى الإعلان عن موضوعه والإطار الذي يشتغل ضمنه والأهداف التي يتوخاها. فقد
أشار أولا إلى أن كتابه يجمع «بين العلم والأدب والتاريخ والسياسة»، وأنه جمع بين
هذه العناصر من أجل «تصوير الحياة الفكرية لوطننا المغرب وتطورها في العصور
المختلفة من لدن قدوم الفاتح الأول إلى قريب من وقتنا هذا» (ص. 31).
وبهذا التحديد فقد جعل ﮔنون كتابه يتحدث عن السياسة واتجاهاتها
حسب الدول المتعاقبة في تاريخ المغرب، كما يتحدث عن الحركة العلمية التي عرفتها كل
مرحلة، وفي إطار ذلك يتحدث عن الحركة الأدبية وتراجم الشعراء والأدباء عوما؛ وهذا ما
جعل منه موسوعة تاريخية تفيد المؤرخ بقدر ما تفيد الناقد الأدبي ومؤرخ الأدب.
غير أن المؤلف كان أيضا – ومنذ البداية – على وعي بضرورة تحديد
الخيط الناظم لكتابه، أي المحور الأساس الذي يستقطب جميع العناصر الأخرى، وهذا
المحور هو «الأدب». قال ﮔنون: «والأدب لا نقول إنه الروح
المتغلغلة فيه [أي في الكتاب] والحلة التي يبدو فيها للناس، بل نقول إننا ما
تعرضنا لغيره من الأبحاث الأخرى إلا لنربط حلقات البحث الموصل إلى اكتناه حقيقة
ماضينا الأدبي وتجليته على منصة العروس ليشاهده من كان يجادل فيه، ومن ثم كان اسم
هذا الكتاب (النبوغ المغربي في الأدب العربي)» (ص.31).
يتعلق الأمر إذن بتأريخ الأدب العربي المغربي في إطار التاريخ
السياسي وضمن تطور الحياة العلمية في المغرب وتطورها من عصر إلى آخر.
وقد عمل ﮔنون على تطبيق مشروعه التاريخي هذا في الجزء الأول من
الكتاب، وذلك بأن بسط الأدب العربي المغربي وفق خمسة عصور سياسية هي:
-«عصر الفتوح»، ويعني بها الفتوحات الإسلامية الأولى وفتح إدريس
الأول؛
- «عصر الموحدين»، وضمنه تحدث عن «عصر المرابطين»؛
-«عصر المرينيين»، وضمنه تحدث عن عصر الوطاسيين؛
- «عصر السعديين»؛
- «عصر العلويين».
وفي تناوله لكل عصر من هذه العصور نجده يبدأ بتقديم المعطيات
التاريخية المتمثلة في الأحداث والوقائع وقيام الدولة، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث
عن علاقة تلك الدولة بالثقافة والأدب، ثم يجعل ذلك مدخلا للحديث عن الحركة العلمية
والأدبية في ذلك العصر، مُترجـِما لأهم كتابها وشعرائها. ويمكن أن يتبين هذا
التنظيم المنهجي بإلقاء نظرة على محاور عصرين ننقلها هنا للتوضيح:
* عصر المرابطين: (ص.55 وما
بعدها)
- سياسة الجامعة الإسلامية؛
- يوسف والمعتضد؛
- الحياة الفكرية في هذا العصر؛
- رعاية المرابطين للأدب وأهله؛
- تراجم بعض الشخصيات من هذا العصر؛
- تسمية بعض الكتب المؤلفة في هذا العصر.
* عصر الموحدين: (ص.97 ما بعدها)
- انقلاب؛
- توحيد المغرب العربي؛
- الدولة والثقافة العربية؛
- الحركة العلمية؛
- الهيئة العلمية وآ ثارها؛
- الحياة الأدبية.
يتضح من خلال هذين النموذجين أن المؤلف يتخذ من الوقائع السياسية
والتاريخية أرضية للحديث عن الوقائع الأدبية والشخصيات الأدبية؛ وهو في ذلك كله
يُحَقــِّب الأدب وفق المعيار السياسي، دون غيره من المعايير.
بعد أن بسط عبد الله ﮔنون تصوره لتاريخ الأدب بسطا تطبيقيا في
الجزء الأول، خصَّص الجزء الثاني لإيراد منتخبات من الأدب المنثور لأدباء سبق
ذكرهم في الجزء الأول؛ وكذلك خصص الجزء الثالث لإيراد منتخبات شعرية حتى تكتمل
الصورة التي رسمها الجزء الأول. وقد مهد للجزأين معا بقوله:«وهنا نحن نقدم للقارئ
الأديب تلك الآثار والمنتخبات البديعة، مقسمين لها على قسمين، قسم المنثور (...)
وقسم المنظوم(...)، مبوبين كل قسم أبوبا بحسب أغراضه وفنونه، غير معترضين بشرح أو
بيان إلا للغريب الغامض الذي لا يسهل فهمه على كل الناس، وذلك رغبة في الإيجاز
وعدم التشويش على المطالعين» (ص.326).
وقد بدأ الجزء الثاني بالأدب المنثور لأنه – في رأيه – أصل الكلام،
ثم داخل هذا الجزء بدأ بالخطب «لأنها أول المحفوظ من نثر العرب»، ثم المناظرات
«لمزيد شبهها بالخطب في الأسلوب والغرض»، ثم الرسائل «وهي أهم أغراض النثر»، ثم
المقامات «وهي قصص قصيرة تُكتـَب بأسلوب أدبي مسجوع، وتشتمل على إفادات وإنشادات»،
ثم المحاضرات «وهي من موضوع المقامات لاشتمالها مثلها على القصة والفائدة»، ثم
المقالات «وهو باب جديد في الأدب العربي» (ص.326).
فالمؤلف إذن قد رتب المختارات وفق الأنواع والأجناس، وليس وفق
التحقيب التاريخي المعتمد في الجزء الأول، وهذا ما فتح مدخلا آخر للأدب العربي في
المغرب، غير المدخل التاريخي؛ لكن مع ذلك فقد ظل هذا الجزء تابعا للأول الذي هو
صلب الدراسة وأرضيتها.
أما في الجزء الثالث، المخصص للمختارات الشعرية، فقد اعتمد المؤلف
أبوابا تناسب الأغراض الشعرية المعروفة في الأدب العربي مند القديم: «ونأتي الآن
في قسم المنظوم، الذي هو الجزء الثالث من الكتاب، بالآثار والمنتخبات الشعرية كما
وعدنا، مقسمة إلى الأبواب المعروفة من الحماسة والغزل والوصف والمدح وغير
ذلك(...). وقد ختمنا بباب خصصناه للموشحات والأزجال جمعا للنظائر وعناية بهذا
النوع من الأدب المنظوم»(ص.938).
لقد اعتمد عبد الله ﮔنون - كما رأينا- مقاربة تاريخية
تحقيبية، كانت هي الأساس في دراسته، ثم أعقبها بمختارات أدبية من النثر ومن الشعر
حتى تتضح الصورة الأدبية التي رسم إطارها التاريخي في الجزء الأول، وحتى يبرز تميز
كل من الشعراء والأدباء المذكورين.
وقد اعتبرنا كتاب "النبوغ المغربي" لعبد الله ﮔنون علامة فارقة تنتهي عندها (وبها) مرحلة بواكير النقد المغربي التي
شكلت نشأة الدراسة الأدبية الحديثة، وتبدأ منها (وبها) مرحلة التأسيس والنضج؛ وذلك
لأن كنون في هذا الكتاب قد استوعب مختلف المجهودات التي بُذِلت قبله في سبيل كتابة
تاريخ الأدب العربي في المغرب، فاستفاد منها وأضاف إليها ما أعطى لكتابه اتساعا
وشمولا ورؤية واضحة.
وبذلك فقد مهد ﮔنون لدراسات كثيرة ستأتي بعد كتاب
"النبوغ المغربي"، لتعمق الرؤية وترسخ المنهج ، سواء في تاريخ الأدبي
المغربي قاطبة أو في تأريخ الشعر منه على الخصوص، أو في التركيز على عصر واحد من
عصور الأدب المغربي.
[1]-
صدرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن دار الكتاب اللبناني في بيروت سنة 1961؛ ثم صدرت
طبعة ثالثة عن نفس الناشر سنة 1975، وهناك الآن طبعة أخرى جديدة نشرتها دار
الثقافة بالدار البيضاء (دون تاريخ)، وهي الطبعة التي نعتمدها هنا.
[2]-
سلسلة ترجم فيها ﮔنون لشخصيات مغربية من ميادين
الأدب والسياسة والعلم؛ صدر منها الجزء الأول عن معهد مولاي الحسن للأبحاث بتطوان
سنة 1949، وصدر جزؤها الثاني عن دار الكتاب اللبناني ببيروت سنة 1974.
[3]-
صدر عن المطبعة المهدية بتطوان، سنة 1361 هـ/ 1943 م.
[4]-
صدر عن دار الثقافة بالدار البيضاء، سنة 1988.
[5]-
صدر ضمن سلسلة" المكتبة الصغيرة"، عدد 42 منشورات دار الرفاعي، الرباط،
سنة 1403ه/1983م.
[6]-
صدر عن معهد الدراسات العربية بالقاهرة، سنة 1964؛ ثم بعد ذلك نشرته دار الثقافة
بالدار البيضاء سنة 1978 وسنة 1984.
[7]-
معظم مقالات عبد الله ﮔنون المتعلقة
بالأدب والنقد تم نشرها في كتب "واحة الفكر" و "التعاشيب" و
"خل وبقل" و"العصف والريحان". انظر حول عبد الله ﮔنون:
أحمد الشايب، الدراسة الأدبية في المغرب، عبد الله ﮔنون
نموذجا. منشورات مدرسة الملك فهد العليا للترجمة (طنجة)، جامعة عبد الملك السعدي،
تطوان، 1991.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق