الاثنين، 18 مارس 2024

 

 

المسرح في العصر الوسيط


الأستاذ عبد الواحد المرابط

 

يقع العصر الوسيط بين العصر القديم والعصر الحديث، حيث بدأ مع سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس وامتد إلى القرن الخامس عشر. وهو يُقَسَّم عادة إلى ثلاث مراحل: العصر الوسيط الأول (قـ 5- 10)، والعصر الوسيط المركزي (قـ 11- 13)، والعصر الوسيط المتأخر (قـ 14- 15). وقد عرف هذا العصر سيطرةَ الكنيسة على مختلف مظاهر الحياة في أوروبا، من خلال نظام فيودالي إقطاعي يقوده النبلاء بتزكية رجال الدين.

عملت الكنيسة في القرون الأولى من هذا العصر على إخماد شعلة المسرح وغيره من الآداب والفنون، حيث أُدين الممثلون والمشتغلون بالمسرح، وحُشِروا في زمرة المارقين والمنبوذين واللصوص والعاهرات، بل حُرموا من دخول الكنائس ومن مناولة القربان المقدس. فقد حورِبت التقاليد الإغريقية والرومانية لِما فيها من مظاهر وثنية مخالفة للتعاليم المسيحية، فأُغلِقَت المسارح واعتُبِر التمثيلُ والتصوير والنحت والغناء والرقص خَطايا تستوجب العقاب في الدنيا وفي الآخرة.

غير أن رجال الدين انتبهوا في ما بعد إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح في تعبئة الناس وترسيخ شعورهم الديني؛ لذلك شرعوا - ابتداء من القرنين الثامن والتاسع - يقدمون مسرحيات يمررون من خلالها القصص الدينية الإنجيلية والمواعظ الأخلاقية وطقوس الصلاة والعبادة، فَحَلَّ الكتابُ المقدس محل المصادر الأسطورية والملحمية التي كان المسرح ينهل منها في العهدين الإغريقي والروماني، وصار الموضوع المحوري للمسرح الوسيط هو آلام المسيح وتضحياته من أجل خلاص الإنسان.

وكانت هذه العروض الدينية في البداية تُقَدَّم داخل الكنائس والكاتدرائيات، خلال أعياد ميلاد المسيح وأعياد الفصح وأعياد الخميس النصرانية، فأصبح المسرح جزءا مُكَمِّلًا للصلاة والتَّعَبُّد، يستحضر قصة الخلق وسِيَرَ الأنبياء والقديسين. وكان هذا المسرح يُقدَّم للمؤمنين من خلال حوارات وأناشيد يضطلع بأدائها الرهبان والقساوسة.

ولما استقطب هذا المسرح الديني جمهورا واسعا لم تعد فضاءات العبادة تستوعبه، خرج به الرهبان إلى الساحات العامة، وهناك عرف - تدريجيا - بعض التحولات التي مست شكله ومضمونه، حيث بدأ يُزاوج بين المحتويات الدينية والدنيوية، ويستقطب مؤلِّفين غير الرهبان، فتسربت إلى حواراته اللغاتُ العامية وبعضُ الأفكار الإصلاحية، وظهر الممثلون المحترِفون، وشُيِّدت السِّقالات الخشبية لمنصة التمثيل ومقاعد الجمهور. وقد صب ذلك في صالح الحركات البروتِستانية المناهضة للتقاليد الكاتوليكية، فبدأت الجماهير تتذوق الجوانب الفنية والجمالية للمسرح، فضلا عن جوانبه الدينية.

وفي موازاة هذا المسرح الديني، نما نوع من المسرح الدُّنَيَوي، ابتعد - إلى حد ما - عن الدراما الطقسية، واتجه نحو الحكايات الشعبية والغناء والرقص واللعب البهلواني. ظهر هذا الشكل في بداية الأمر داخل قصور الأغنياء ورجال الدولة، حيث تنتهي الحفلات بعروض مسرحية تمثل قصصا طريفة وتجسد شخصيات نمطية مُضحكة وحوارات هزلية، فضلا عن النُّكَت الساخرة والحركات البهلوانية. وفي هذا السياق تطورت فنون العرض، من تعبير جسدي صامت (ميم (Mine) وبانتوميم (Pantomime)) وبهلوان (acrobate) وتلاعب جسدي (Jongleurs) وسيرك (Cirque) وغير ذلك... وقد تعامل رجال الدين مع هذا المسرح بنوع من التحفظ دون أن يستطيعوا مُصادَرَتَه احتراما لحِلْف السياسة والدين؛ فكانوا يحضرون الولائم التي يُدْعَون إليها، ثم ينسحبون قبل بداية العروض. وخارج قصور الأغنياء، بدأت تظهر مسارح شعبية متنقلة تجوب القرى والمدن، وتقدم عروضَها الهزلية فوق العربات التي تتحول إلى منصات للتمثيل.

خلاصة الأمر أن العصر الوسيط عرف نوعين من المسرح: مسرح ديني طقسي (liturgique) نشأ في الكنائس والكاتدرائيات وامتد إلى الساحات العمومية، يشرف عليه الرهبان والقساوسة؛ ومسرح دُنْيَوي (profane) نشأ في قصور الأثرياء ورجال السلطة، وعند الفِرَق المتجولة بين المدن والقرى. وقد خضع كل نوع منهما لمسار من التطور التدريجي، فتغيرت محتوياته وأشكاله على مدى القرون، تمهيدا لمسرح عصر النهضة.

فقد تطور المسرح الطقسي، داخل الكنائس وخارجها، ليفرز ثلاثة أنواع من المسرحيات الدينية: مسرحيات الأسرار (Mystères)، ومسرحيات المعجزات والخوارق (Miracles)، ومسرحيات الأخلاق (moralités): الأولى كانت تعرض حياة المسيح وعذاباته انطلاقا من الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد)؛ والثانية كانت تعرض حياة القديسين وكراماتهم، بدءا بقصة مريم العذراء؛ والثالثة كانت تُشَخِّص حكايات تعليمية أخلاقية للوعظ والإرشاد الديني.

من المسرحيات الدينية التي وصلتنا، "زيارة المقبرة" (Visitatio Sepulchr) للراهب الإنجليزي سانت إيتلوود (Saint Ethelwold) من القرن العاشر، وهي تشخص قصة قِدِّيسات ذهبن لزيارة قبر المسيح، فظهرت الملائكة وأوحت لهن بأسرار إلهية؛ ومسرحية "القديس نيكولا" (li Jus de saint Nicholai) للشاعر جون بوديل (Jean Bodel) من القرن الثاني عشر، وهي تعرض كرامات هذا القديس وقدرته على التبشير؛ و"تمثيلية آدم" (Le Jeu d'Adam) لمؤلف مجهول من القرن الثاني عشر، وهي تجمع بين الأناشيد الدينية اللاتينية والحوارات الفرنسية، وتشخص خطيئةَ آدم وحواء وخروجَهما من الجنة، وقصةَ قتل قابيل لأخيه هابيل، ثم تَعاقبَ الأنبياء المُخَلِّصين وصولا إلى السيد المسيح؛ ومسرحية "معجزات تْيوفيل" (Miracles de Théophile) للكاتب الفرنسي روتْبوف (Rutebeuf) من القرن الثالث عشر، وهي مستوحاة من سيرة قديس باع نفسه للشيطان ليسترد أمواله التي سلبه إياها أحد الأساقفة، لكنه لم يفلح في ذلك فندم وطلب المغفرة من السيدة العذراء؛ ومسرحية "كل إنسان" لمؤلِّف مجهول من أواخر القرن الخامس عشر، وهي تعرض شخصيات ترمز بكل منها لصفة من الصفات المجردة: فشخصية "كل إنسان" رجل ثري يستدعيه الموت فجأة للمثول أمام الله من أجل محاسبته، فطلب من أهله وأصحابه أن يرافقوه في رحلته لكنهم رفضوا وتخلوا عنه، وطلب من "المعرفة" أن تصاحبه لكنها رفضت واكتفت بأن تنصحه بالاعتراف أمام الله. وفي الأخير تبرع بثروته في سبيل الخير، ودخل الإيمان قلبه، وحين دخل إلى قبره وجد "العمل الصالح" يرافقه ويدخل معه. فالعمل الصالح في نهاية المطاف هو المخلص. وتشكل هذه المسرحية نموذجا للتوجيه الديني والأخلاقي من منظور الكنيسة الكاتوليكية في العصور الوسطى.

أما المسرح الدنيوي، فقد وصلتنا منه مسرحيات عديدة، منها مسرحية "السيد بّاثْلان" (la Farce de Maître Pathelin) لكاتب فرنسي مجهول من القرن الخامس عشر. وهي تحكي عن محام ذكي محتال وَكَّلَه راعٍ اتهمه سيدُه بسرقة خِرفان، فاشترط المحامي على المتهم أن يصمت في المحكمة وألا يجيب عن أسئلة القاضي والمُدَّعي إلا بالثُّغاء (أي بصوت الخرفان). ولما نجحت هذه الحيلة وبُرِّئَ المتهمُ، طلب منه المحامي أداء الأتعاب، فلم يسمع منه إلا الثُّغاء.

 

من المسرح الديني في العصر الوسيط

Description : Le théâtre au moyen-âge - ppt video online télécharger

 

 

من المسرح الدنيوي في العصر الوسيط

Description : Chroniques du Moyen Age: Le Théâtre au Moyen âge

 


الجمعة، 15 مارس 2024

 


 المسرح في الحضارات القديمة

الأستاذ عبد الواحد المرابط


1. المسرح المصري القديم

عرفت مصر القديمة في عهد الفراعنة عروضا تمثيلية ذات طابع ديني مرتبط بأسطورة "إيزيس وأوزوريس". وكانت هذه العروض تُقَدَّم في الحفلات الدينية والطقوس الجنائزية الفرعونية، حيث يَعْمَدُ كهنةُ معبد "أمون رع" (Amon-Rê) إلى تشخيص الحكايات الدينية أمام الحُكّام والأمراء والنبلاء، مستعينين في ذلك باللغة الشعرية والحركات الجسدية والغناء والابتهالات والأقنعة والمساحيق والملابس والأَكْسُسْوارات. وبموازاة هذه العروض النُّخْبَوِيَّة، عرفت مصرُ تلك الحقبة عروضا شعبية كانت تقدمها فِرَقٌ جوالة تطوف بين المدن والقرى، وهي تشمل الرقص والموسيقى والتمثيل والطرائف المضحكة...

تَمَّ العثور، في ثلاثينيات القرن العشرين، على نصوص درامية مكتوبة على أوراق البردي (Papyrus)، تتضمن مسرحيات كتبها مُؤلِّفو مصر القديمة؛ منها مسرحية "انتصار حورس" و"بعث أوزيريس" و"ميلاد حورُس وتأليهه" و"هزيمة ثابوفيس" و"معركة تحوت وأبوفيس" و"إيزيريس وعقاربها السبعة" و"عودة سِت"...

معظم تلك المسرحيات كانت تُعيد تشخيصَ أسطورة "إيزيس وأوزوريس" التي تقوم عليها الديانةُ الفرعونية. وتحكي هذه الأسطورة قصة الفرعون/ الإله أوزيريس (Osiris) الذي قتله أخوه الأصغر سيتْ (Seth) وقطَّع جثته اثنتين وأربعين قطعة وَزَّعَها على أقاليم مصر، لكن إيزيسْ (Isis) جمعت قِطَعَ زوجها أوزيريس وحاولت إعادته إلى الحياة، كما أنها أنجبت طفلَها حورُسْ (Horus) الذي سرعان ما شَبَّ فحارب سيتْ وقتله انتقاما لأبيه، وأعاد النظام لمصر.

ويمكن أن نتبين بعض خصوصيات هذا المسرح المصري (الفرعوني) القديم من خلال مسرحية "انتصار حورُس" المشار إليها سابقا؛ وذلك بصفتها نصا كاملا قائما بذاته، وأقدم مسرحية مكتوبة في العالم.

ورغم أن هذه النصوص المصرية القديمة كانت تتضمن عناصر الدراما المسرحية، فقد بقيت محافظة على طابعها الطَّقْسي الديني ومرتبطة بعبادة الإله "أمون" (Amon-Rê)؛ لذلك لم تتطور في ما بعد لتفرز عروضا مسرحية ذات منحى فني وجمالي.

2. مسرح الشرق الأقصى القديم

عرف الشرق القديم أشكالا فرجوية عديدة، ارتبطت عند شعوبه بالطقوس الدينية الهندوسية والبودية والكونفوشيوسية، منها طقوس ديانة "الشينتو” (Shinto) في الصين واليابان، وطقوس الديانتين البراهمانية والطاوية في الهند.

اتخذت تلك العروض في اليابان والصين شكل رقصات وابتهالات وتعبيرات جسدية ذات بعد ديني، بالإضافة إلى تمثيليات شعبية مُسَلِّية. فقد شاعت في تلك البلاد عروض فرجوية تُسمى "الكاكورا” (Kagura)، وهي عروض راقصة كانت في أصلها تُقدَّم للترفيه على الآلهة، لكنها بدأت تفقد بُعْدَها الديني لتتخذ منحى فنيا وجمالية في القرن العاشر الميلادي، فتفرع عنها مسرح "النو" () و"الكابوكي" (Kabuki) و"الكْيوكين" (Kyōgen) و"البونْراكو" (Bunraku) و"الأوبِّرا الصينية" و"مسرح الدمى" التقليدي (Buntaku)... فالنو يعتمد الموسيقى والرقص، والكابوكي يعتمد الدراما والموسيقى والرقص، والكيوكن مسرح هزلي ساخر، والبونراكو مسرح دُمى.

وعرف المسرح الهندي القديم عروضا تمثيلية مستوحاة من أحداث ملحمتَي "الماهابْهاراتا” (Mahabharata) و"الرَّمايانا" (Râmâyana) السَّنْسْكْريتيتين، المرتبطتين بكتاب "الفيدا" (Vida) المقدس، وبسِيَر الآلهة والملوك والحكماء.

من الأشكال المسرحية الهندية القديمة مسرح "الكاتاكالي" (Kathakali)، وهو عرض راقص يتضمن الغناء والحوار والتشخيص، تَأَتّى عن عروض دينية طقسية، منها عرض "كْريشْنانَتام" (Krishnanattam) الذي يمثل حياة الملك/ الإله "كْريشْنا" (Krishna)، وعرض "راماناتام" (Rāmanāṭṭaṃ) الذي يمثل حياة الملك الأسطوري "راما" (Rāma). وقد كانت تلك العروض توظف الغناء والتراتيل والرقص والتعبيرات الجسدية والموسيقى والتشخيص والأقنعة وغير ذلك من عناصر الفرجة المسرحية، فضلا عن التراتيل والابتهالات الدينية.

وقد احتفظ التاريخ بكتاب هندي قديم حول قواعد المسرح وفنون العرض، يعود إلى الحكيم العالِم "بْهاراتا" (Bharata)، الذي أملاه شفويا في القرن الثاني قبل الميلاد، ولم يُدَوَّن إلا في القرن السادس الميلادي، تحت عنوان "ناتْيا شاسْترا" (Nātya Shastra) ("ناتيا" تعني الرقص والتشخيص الجسدي، و"شاسْترا" تعني القانون في اللغة السنسكريتية القديمة). ويُحكى أن أصل الكتاب أسرارٌ أفضى بها الإله "بْراهْما" (Brahmâ) إلى الحكيم "بْهاراتا" ليبين للناس كيف ينجزون العروض المسرحية. ويتضمن هذا الكتاب تعليمات وتفاصيل حول التمثيل والغناء والمشاهد والمواقف الدرامية وغير ذلك من مستلزمات العرض المسرحي.

 من المسرحيات الهندية القديمة، التي احتفظ التاريخ بنصوصها كاملة، مسرحياتُ "أشفاكوشا" (Ashvaghosha ) شاعر بلاط الملك "كانيشْكا" (Kanishka)، ومسرحيات "بْهاسا" (Bhasa )، ومسرحيات "كاليداسا" (Kãlidãsa). وهي تعود إلى القرون الميلادية الأربعة الأولى، لكنها وثيقة الصلة بالتقاليد القديمة وبملحمتَي الماهابْهارتا والرمايانا.

3. المسرح الإغريقي القديم

يعود أصل المسرح الإغريقي إلى "الدِّيثرامْبوس" (Dithyrambe)، وهو عبارة عن أناشيد دينية مصحوبة بالعزف على الناي وبرقصات جسدية، كانت تُقام تمجيدا للإله دْيونيزوس (Dionysos) مرتين في السنة، مرة في الشتاء (يناير وفبراير) ومرة في الربيع (مارس وأبريل). ففي الموسم الأول كان الناس يجتمعون في طقس رهيب، يستمعون لجوقة من الرجال تؤدي الأناشيد والابتهالات والأدعية، ويشاهدون مناسك تقديم القرابين، التي هي عبارة عن ماعِز (trágos). ومن هنا اشتُقَّ مصطلح "تراجيديا" (tragôidía) الإغريقي الذي يعني "صوت الماعز"، والذي صار في ما بعد يدل على مسرحيات مأساوية تجسد صراع الأبطال من الآهة وأنصاف الآلهة والبشر الخارقين. وفي الموسم الثاني، الذي هو موسم الحصاد وجني محاصيل العنب والغلال الزراعية، يُقام موسم لشكر الإله دْيونيزوس، وتُسَيَّرُ نحو معبده مواكبُ من الناس الثَّمِلين تسمى "الكوموس" (komos)، في جو من الفرح والانشراح والموسيقى والرقص. ومن هنا اشْتُقَّ مصطلح "كوميديا" (kômôidía) الذي يعني "صوت الموكب"، والذي صار في ما بعد يدل على المسرحيات الهزلية.

وقد تطورت هذه الطقوس الدينية (التراجيدية والكوميدية) تدريجيا إلى أن أصبحت فرجات شعبية وجماهيرية يتم الإعداد لها بعناية، حيت يتكفل الأثرياء بتمويلها، وتسهر عليها الدولة ورجال السياسة. وفي سياق هذا التطور بدت مظاهر الدراما المسرحية لتضفي على تلك الطقوس طابعا فنيا وجماليا، دون أن تُفْقِدَها بُعْدَها الديني. ومن تلك المظاهر تنظيم مباريات لاختيار النصوص الجديرة بأن تُعْتَمد في إنشاد الجوقة (أي الكورس) (Choros) (Chœur)، وبناء مدرجات خاصة يجلس عليها المتفرجون قُبالة منصةٍ يقف عليها الممثلون. ومن ذلك أيضا اعتماد نصوص اختار مؤلفوها فَصْلَ رَجُل (ممثل) عن الجوقة ليضطلع بحوار يوجهه إليها، مما شجع مؤلفين آخرين على فَصْلِ رَجُلَيْن آخرين، فانتهى الأمر بثلاثة ممثلين يشخصون الأدوار المختلفة ويتبادلون الحوارات في ما بينهم، بالإضافة إلى الجوقة التي تضطلع بسرد الوقائع وإنشاد الأشعار.

من كُتّاب المسرح الإغريقي البارزين، الذين احتفظ لنا التاريخ ببعض نصوصهم، خمسة عاشوا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد؛ ثلاثة منهم ألَّفوا مسرحيات تراجيدية تستوحي أحداثَها وشخصياتها - في الغالب - من الأساطير والملاحم والأحداث التاريخية الكبرى المذكورة في ملحمتَي "الإلْيادة" (Iliade) و"الأوديسّا" (l'Odyssée) اللتين دَوَّنَهُما الشاعر هوميروس (Homère) سابقا، وهم "إسْخِلوس" (Eschyle) (تـ 456-) و"سوفوكْليس" (Sophocle) (تـ 405-) و"يوريبّيديس" (Euripide) (تـ 406-)؛ واثنان ألَّفا مسرحيات كوميدية تستوحي شخوصَها – في الغالب – من الأوضاع السياسية والاجتماعية ومن سلوكات الأفراد المنحرفين، وهما "أرِسْطوفانيس" (Aristophane) (تـ 386-) و"مينانْدْر" (Ménandre) (تـ 293-):

ألَّف إسخلوس أكثر من ثمانين مسرحية، احتفظ التاريخ بأربع منها كاملة، هي مسرحية "الفرس" ومسرحية "أكامَمْنون" ومسرحية "حاملات القرابين" ومسرحية "الضارعات"؛ وألَّف سوفوكليس ثلاثا وعشرين ومئة مسرحية، بقيت منها سبع كاملة، هي "أنتيكونة" و"أجاكس" و"الطراشينيات" و"أوديب ملكا" و"فيلوكْتيت" و"إليكترا" و"أوديب في كولون"؛ وألَّف يوريبّيديس اثنتَي وتسعين مسرحية بقيت منها تسع عشرة كاملة، نذكر منها "ألسيسْت" و"ميدي" و"أوندروماك" و"هِراكليس" و"إيون" و"إليكترا"؛ وألَّف "أرسطوفانيس" أربعا وأربعين مسرحية، بقيت منها إحدى عشرة كاملة، هي "أهل أخارناي" و"الفرسان" و"السُّحُب" و"الزنابير" و"السلام" و"الطيور" و"ليزيستراطا" و"النساء المحتفلات بأعياد التيسموفوريا" و"الضفاضع" و"برلمان النساء" و"بّْلوتوس"؛ وألَّف مينانْدْر مئة وثماني مسرحيات، لم يبق منها إلا مقاطع دالة.

وانطلاقا من نصوص هؤلاء الكتاب الكبار، تَرَسَّخَتْ تقاليد الممارسة المسرحية عند الإغريق، فأصبحت التراجيديا تقوم من الناحية التقنية على الأجزاء التالية: البّْرولوك (Prologue)، وهو المقدمة التي تسرد للجمهور الأحداث السابقة على ما ستقدمه المسرحية؛ والبّارودوس (Parodos) وهو غناء الجوقة عند دخولها؛ والسّْطاسيمون (Stasimon)، وهو الغناء الذي يفصل بين أجزاء الحدث، والمشاهد (أو الحلقات) (Epeisodos) التي تعرض الأحداث من خلال الحوار بين الشخصيات؛ و"الإكْزودوس" (Exodos) الذي هو خروج الجوقة. أما موضوعات التراجيديا فتقوم على طيمتي "القَدَر" و"المَصير"، حيث تعاقب الآلهةُ البشرَ على أخطائهم، حتى وإن كانت قديمة ارتكبتها الأجيال السابقة، وحتى وإن كانت قد ارتُكِبت بطريقة غير إرادية وغير مقصودة؛ وفي المقابل يحاول الأبطال تغييرَ مصائرِهم والوقوفَ في وجه الأقدار، كما فعل لايوس وأوديب في مسرحية سوفوكل، وكما فعل بروميثوس في إحدى مسرحيات إسخِلوس.

 أما الشكل الذي استقرت عليه الكوميديا الإغريقية فهو يقوم على الأجزاء التالية: البّرولوك، والبّارودوس، والصراع (agn) بين البطل وخصمه أو خصومه، والرسالة (parábasis ) الموجَّهة إلى الجمهور من قِبَل الجوقة، ومشاهد انتصار البطل، والخروج. وهي قريبة إلى حد ما من أجزاء التراجيديا، غير أنها تقدم سمات الإنسان العادي وتُشَخِّصُ ضَعْفَه وتَهَوُّرَه وحماقاته، في جو من الضحك والسخرية الهادفة إلى الموعظة الأخلاقية.

4. المسرح الروماني القديم

ورث الرومان تقاليد المسرح الإغريقي، لاعتبارات تاريخية وجغرافية وحضارية، لكنهم أضافوا إليها ما يناسب ثقافتهم وديانتهم ودولتهم العسكرية ذات الطابع الإمبراطوري. وقد بلغ المسرح الروماني أَوْجَه بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، مع "لوكْيوس سينيكا" (Sénèque) (تـ 65+) في مجال التراجيديا، ومع "بّْلاوْتوس" (Plaute) (تـ 184-) و"تيرنتيوس" (Térence) (تـ 159+) في مجال الكوميديا.

احتفظ التاريخ بتسع من مسرحيات سينيكا، هي "ميديا" و"الطرواديون" و"أوديب" و"هرقل غاضبا" و"فايدرا" و"تييست" و"أكاممنون" و"هرقل في أوطا" و"الفينيقيون". وقد كُتبت معظم هذه المسرحيات على غرار التراجيديات الإغريقية، إذ تضمنت الجوقة وثلاث شخصيات رئيسية، واستوحت الأساطير والملاحم، غير أن سينيكا أعطى للحوارات طابعا خطابيا وشحنها بالتأملات الفلسفية، انسجاما مع ثقافته البلاغية والفلسفية.

أما بّْلاوْتوس فقد كتب إحدى وعشرين مسرحية، منها "أُومفيتْرِيون" و"أوليلارْيا" و"الإخوة مينايْشمي" و"العائد" و"الجندي المتبجح" و"القرطاجيون". وقد استفاد في هذه المسرحيات من تقنيات الكوميديا الإغريقية، وكَيَّفها وفق الطقوس والتقاليد الرومانية، كما أنه اعتمد الشخصيات النمطية من قبيل البخيل والمخدوع والمتكبر ، فصوَّرها تصويرا ساخرا بهدف تقويم سلوك الناس.

وأما تيرنتيوس فقد ترك خمس مسرحيات، هي "أندريا" و"القائد" و"الأخ" و"المخصي" و"ضحية نفسه". وقد كان في هذه المسرحيات يميل إلى التَّوْرِيَّة وإلى السخرية اللّاذعة والتصوير الكاريكاتوري للشخصيات والواقع، وتصوير الحياة الشخصية والاجتماعية من أجل الموعظة الأخلاقية.

وقد عرفت البناية المسرحية تطورا ملحوظا عند الرومان؛ فبعد أن كانت عند الإغريق فضاء مفتوحا يتكون من منصة للتمثيل ودائرة للجوقة تحيط بهما مدرجات تسندها تَلَّةٌ أو مرتفعٌ من الأرض، صارت فضاء مغلقا تحيط به من الخارج أسوار عالية، وأصبحت المدرجات موزعة عموديا على طبقات ثلاث ترفعها أعمدة حجرية ضخمة وعالية. وقد تعددت هذه المسارح في المدن الرومانية خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، وشُيِّدت على غرارها مسارح أخرى في سائر البلاد التي استعمرها الرومان في أوربا وحوض البحر الأبيض المتوسط.

ومن جهة أخرى، تم توجيه مضامين العروض المسرحية ورسائلها نحو أهداف سياسية تخدم المنحى العسكري والتوسعي للدولة الرومانية، لذلك حفلت التراجيديات الرومانية بقِيَم الإرادة والقوة، وحفلت الكوميديات باللعب البطولي وأفراح النصر.


الخميس، 3 فبراير 2022

 


حول القصة

 

عبد الواحد المرابط

 

القصة جنس أدبي حديث، يقوم على السرد، وينحو منحًى فنيا وجماليا خاصا يميزه عن الأشكال الحكائية التراثية من جهة وعن باقي الأجناس والأنواع السردية الحديثة من جهة أخرى. وقد تعددت الكتابات القصصية، وتباينت من حيث مذاهبها واتجاهاتها ورؤياتها وتقنياتها وأساليبها، حتى أصبح من المتعذر تعريف القصة انطلاقا من خصائص قارة وثابتة. غير أن التقاليد الفنية والجمالية التي رَسَّخَتْها تجارب المبدعين في هذا المجال تسمح برسم معالم عامة للقصة القصيرة باعتبارها جنسا أدبيا:

فهي على المستوى النصي تروم القِصَرَ المُعَبَّرَ عنه بعدد الكلمات، مع الاقتصاد في التعبير، والميل إلى التكثيف والتركيز، والاختزال عن طريق التضمين والإيجاز. وهي على المستوى الدلالي والموضوعاتي تُرَكِّزُ على جانب من جوانب الحياة أو حَدَثٍ من أحداثها أو لَحْظَةٍ من لَحَظاتها، فتسلط عليها الضوء انطلاقا من موقف واحد غني بالدلالات، أو من رؤية واحدة للعالم، يَتِمُّ بموجبها التعبيرُ عن ما هو جماعي من خلال ما هو فردي، وعن ما هو عامّ عن طريق ما هو خاص، في إطار وحدة موضوعاتية تُجَلّي الكُلَّ من خلال الجُزْءِ. وهي على المستوى التداولي تقوم على الإيحاء والتشويق والمفاجأة، وعلى تحقيق وَحْدَةِ الأثر والانطباع. كما أنها، من الناحية التَّناصِّيَة، تنفتح على التراث وعلى اللغات المتعددة وعلى التجارب الكتابية المختلفة وعلى الأجناس والأنواع الفنية الأخرى، حيث تتداخل مع أشكال حكائية تراثية كالحكاية والمثل والمقامة والخبر والخرافة والأسطورة، ومع أجناس أدبية حديثة كالرواية والمسرحية والشعر، فضلا عن اقتباسها لتقنيات الكتابة السينمائية، واستيحائها لمنظورات الفنون التشكيلية وغيرها.

ظهرت القصة القصيرة في الآداب الغربية أوائلَ القرن التاسع عشر، في سياق تحولات تاريخية وسياسية واجتماعية عميقة، تمخضت عن المجتمعات الحديثة، واستوجبت أشكالا تعبيرية جديدة تُعَبِّرُ عن قضايا الإنسان. وقد تبلورت النماذج القصصية الأولى في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عند الكاتب الروسي نيكولاي كوكول (Nikolaï Gogol) الذي خرج عن تقاليد الكتابة السردية التراثية ذات الطابع الأسطوري، ومال نحو قضايا الواقع وأفراد الشعب، وعند الكاتب الأمريكي إدكار ألان بّو (Edgar Allan Poe)، الذي اهتم بالبناء الدرامي للأحداث من أجل إحداث المتعة الفنية لدى القراء.

وفي النصف الثاني من القرن ذاته، تبلورت نماذج قصصية أخرى أكثر تطورا، مَثَّلَتْها أعمالُ الكاتب الروسي أنطون تشيكوف (Anton Tchekhov)، والكاتب الفرنسي كي دو موبّاسان (Guy de Maupassant). ثم بعد ذلك انتشر هذا اللون الفني وازدهر في مختلف أرجاء العالم، بصفته جنسا من الأجناس الأدبية الحديثة.

وقد بدأت القصة القصيرة تجد طريقها إلى الأدب العربي خلال أوائل القرن العشرين، من خلال تجارب كتابية رائدة ابتعدت تدريجيا عن الأشكال الحكائية التراثية التي كانت لا تزال سائدة، وخصوصا منها المقامات وأدب الأمثال؛ وذلك في سياق تمظهرات النهضة العربية الحديثة وما ساوقها من استحداث أشكال أدبية وقوالب فنية جديدة.

تجسدت التجارب القصصية العربية الأولى في كتابات الأديب اللبناني(المهجري) ميخائيل نعيمة، وفي كتابات الأديب المصري محمد تيمور، بدءا من سنة 1914. ثم تبلورت بعد ذلك- على امتداد القرن العشرين- من خلال كتابات الأدباء زكريا تامر ومحمود تيمور ومصطفى لطفي المنفلوطي ويوسف الشاروني ويوسف إدريس وعبد العاطي أبو النجا ومحمد صدقي وغيرهم.

أما في المغرب، فقد ظهرت النماذج القصصية الأولى بين ثلاثينيات القرن العشرين وخمسينياته، من خلال كتابات مصطفى الغرباوي وعبد الرحمان الفاسي وعلال الجامعي وأحمدالمدني الحمراوي وعبد الله إبراهيم ومليكة الفاسي ومحمد حصار وأحمد بناني وعبد العزيز بنعبد الله وعبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب ومحمد الخضر الريسوني وآمنة اللوه وعبد الهادي الشرايبي. وقد تكاثرت بعد ذلك التجارب القصصية المغربية وتطورت وتنوعت؛ في الستينيات مع مبارك ربيع وعبد الجبار السحيمي وأحمد عبد السلام البقالي وإدريس الخوري ومحمد زفزاف ومحمد إبراهيم بوعلو ومحمد بيدي والأمين الخمليشي ومحمد زنيبر وخناثة بنونة ورفيقة الطبيعة (زينب فهمي) وفاطمة الراوي ومحمد عزيز الحبابي ومحمد زفزاف وطه أبو يوسف ومحمد بن أحمد اشماعو؛ وفي السبعينيات مع أحمد زيادي ومحمد برادة ومصطفى يعلى والأمين الخمليشي وإدريس الصغير وخناتة بنونة وأحمد بوزفور ومحمد هرادي  ومحمد شكري ومحمد عز الدين التازي ومصطفى المسناوي وعبد الرحيم المؤدن ومحمد الدغمومي وغيرهم. ثم بعد ذلك تطورت القصة المغربية في اتجاهات عديدة ومتنوعة، وكثرت فيها التجارب الجمالية والتيمات والبصمات الخاصة.

لقد تطورت القصة القصيرة في المغرب نتيجة احتكاكها بالنماذج القصصية المشرقية والغربية، وارتباطها بالتراث السردي العربي والمغربي؛ فضلا عن التزامِ الكُتّاب المغاربة بقضايا الإنسان في بعده الفردي والاجتماعي، وإحساسِهم العميق بالتحولات التاريخية، وشعورهم القوي بالتبدلات الفكرية والجمالية. وهو التطور الذي تَجَسَّدَ في مظاهر متنوعة ومتعددة؛ منها التراكمُ الكمي والنوعي الذي حققته القصة المغربية من حيث تجاربها واتجاهاتها وتياراتها، والمواكبةُ النقدية التي سايرتها على الصعيدين الأكاديمي والصحفي، وإدراجُ نصوصها في مختلف أسلاك التدريس، من التعليم الابتدائي إلى التعليم الجامعي ، وتخصيصُها بمقاربات نقدية تاريخية وبيبْلْيوغرافية وديداكتيكية، فضلا عن ظهور مجلات وأندية وجمعيات مهتمة بها، وتنظيم ندوات وجوائز متعلقة بها.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الكتابة النسائية شَكَّلَت رافدا هاما للتجربة القصصية المغربية، حيث ظهرت نماذجُها الأولى أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات مع مليكة الفاسي (باحثة الحاضرة)، ثم في الخمسينيات وما بعدها مع خناتة بنونة وزينب فهمي (رفيقة الطبيعة) وفاطمة الراوي وآمنة اللوه وغيرهن. وبعد ذلك تتابعت التجارب وتلاحقت الإصدارات، فتحقق بذلك تَراكُمٌ كَمِّيٌّ ونَوْعِيٌّ جديرٌ بالمواكبة والدراسة. وسواء انفردت هذه الكتابة النسائية بخصوصيات دلالية وجمالية تميزها، أم تداخلت مع الكتابة الرجالية في إطار المُشْتَرَك الجغرافي والوطني والاجتماعي والتاريخي، فهي قد أَغْنَت المخيال الأدبي الإنساني، وساهمت - دون شك- في تطوير التجربة القصصية المغربية.


الجمعة، 27 نوفمبر 2020

الظواهر النقدية في العصر الجاهلي 1

 

الأستاذ عبد الواحد المرابط


 الظواهر النقدية في العصر الجاهلي 1


اعتماد ناقِدٍ حَكَم


تشير العديد من الروايات إلى أن شعراء الجاهلية كانوا يعتمدون ناقدا يحكم على أشعارهم ويفاضل فيما بينهم؛ فقد كانت لديهم حاجة ماسة إلى مُسْتَمِع يتمتع بحس نقدي ومعرفة بكلام العرب، يستطيع أن يميز الجيد من الرديء، وأن يحكم بالجودة لما يراه جيدا من الأشعار. وتذكر المصادرُ مجالِسَ تَمَّ فيها فَضُّ خصومات شعرية وإصدارُ أحكام على الشعراء وإجراءُ مفاضلات وموازنات بينهم، نهض بها - في الغالب - شعراء كبار من ذوي التجربة والخبرة والمصداقية، فأدوا بذلك أدوارا تقويمية، وأسهموا في بلورة الحِسِّ النقدي خلال هذه المرحلة الجنينية من تاريخ النقد العربي القديم. وسنذكر في هذا السياق حُكومات أُمِّ جَنْدَل والنابغة الذبياني وربيعةَ بن حذار الأسدي ولَبيد بن ربيعة، بالإضافة إلى حكم منسوب إلى قبيلة قريش، وإن كان دالا على نُخْبَتِها من النُّقّاد الحُكّام.

 

- اِعْتُمِدَتْ أُمُّ جُنْدُب حَكَمًا بين زوجها امرئ القيس وبين علقمة الفحل، فقد احتكم إليها هذان الشاعران  في أيهما أشعر؟ فطلبت منهما أن يقولا شعرا في وصف الخيل على رَوِيٍّ واحد وقافية مُوَحَّدة، فأنشدها امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها:

خَليلَيَّ مُرّا بي عَلى أُمِّ جُنْدَبِ

***

نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ

ثم أنشدها علقمة بن عبدة قصيدته التي مطلعها:

ذَهَبتَ مِنَ الهِجرانِ في غَيرِ مَذهَبٍ

***

ولَم يَكُ حَقّاً كُلُّ هَذا التَجَنُّبِ

وقد استطرد كل منهما في وصف فرسه داخل القصيدة، ولما انتهيا، حكمت أم جندب بالجودة والسَّبق لعلقمة؛ لأن فرسه يتحرك في الصيد من تلقاء نفسه دون سوط ولا زجر، حيث قال:

فـَأَدْرَكَـهُنَّ ثـانِيـًـا مِنْ عِنانِهِ

***

يَمُرَّ كـــَمَرِّ الـرّائِحِ المُتَـَحَلِّبِ

أما امرؤ القيس فقد كان في حاجة إلى أن يُجْهِد فرسَه ويضربه بالسوط ويُمْرِيَه بالساق لكي يتحرك، حيث قال:

فَلِلسّاقِ أُلْهوبٌ ولِلسَّوْطِ دُرَّةٌ

***

ولِلزَجرِ مِنهُ وَقعُ أَهْوَجَ مُتْعَبِ

وقد استاء امرؤ القيس لحكم زوجته واتهمها بالخيانة، فطلقها وخلفه عليها علقمة الذي أضحى يُكَنّى بالفحل[1].

لا نعرف عن أم جندب سوى أنها امرأةٌ طائية، تزوجها امرؤ القيس لمّا هرب من المنذر بن ماء السماء واستجار بقبيلة طيء؛ غير أن حُكومتَها بينه وبين علقمة تنم عن معرفتها بالشعر وضروبه، أو ربما أيضا عن شاعريتها. كما وأننا لا نعرف على وجه اليقين علاقة حُكْم أم جندب بالمثل العربي (وَقَعَ في أُمِّ جُنْدُب)، الذي يُضْرَبُ في كل من تَعَرَّض للظلم. وإذا كنا سنعود إلى هذه الحكومة لنحللها ونناقش ملابساتها في المحور المتعلق بخصائص النقد الجاهلي، فيكفينا الآن أن نقرر أن أُمَّ جندب هذه قد اعْتُمِدَت ناقِدًا حَكَمًا بين شاعرين كبيرين، وأنها انطلقت في حكمها من قصيدتين شعريتين، واحتكمت في ذلك إلى معايير إيقاعية ودلالية واضحة.

 

- اِعْتُمِدَ النابغة الذبياني حَكَمًا  بين الأعشى والخنساء وحسان بن ثابت في أيهم أشعر؟ فقد ذكرت المصادر أن "نابغة بني ذبيان كان حَكمًا في الشعر، وكانت تُضرب له قبّة من أَدَم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسّان بن ثابت وعنده الأعشى، وكان قد أنشد الأعشى شعره. ثم حضرت الخنساء فأنشدته قصيدتها التي مطلعها:

قَذًى بِعَيْنِكِ أَمْ بِالعَيْنِ عُوارُ

***

أَمْ ذَرَّفَتْ إِذْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِها الدّارُ

حتى انتهت إلى قولها:

وإِنَّ صَخرًا لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِـهِ

***

كَــأَنَّهُ عَلَــمٌ فـي رَأســِهِ نـــــارُ

وإِنَّ صَخْرًا لَمولاِنا وَسَيِّدُنا

***

وَإِنَّ صَخْرًا إِذا نَشْتو لَنَحّارُ

قال النابغة: لولا أن أبا بصيرٍ (يقصد الأعشى) أنشدني قبلكِ لقلتُ: إنكِ أشعرُ الناس، أنت والله أشعر من كل ذات مَثانة. قالت الخنساء: ومن كل ذي خُصْيَتَيْن. فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها. قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:

لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحى

***

وأَسْيافُنا يَقْطُرنَ مِنْ نَجْـدَةٍ دَمَا

وَلَدْنا بَني العَنْقاءِ وَابْنَيْ مُحَـــرِّقٍ

 

فَأَكْرِمْ بِنا خالًا وَأَكْرِمْ بِنا اِبْنَمَا

قال النابغة: إنك لشاعر لولا أنك قَلَّلْتَ عددَ جِفانِك، وفخرت بمن وَلَدْتَ، ولم تفخر بمن وَلَدَك"[2].

وقد ذكرت المصادر مجالس أخرى اضطلع فيها النابغة بمهمة النَّاقد الحَكَم؛ ومنها  مجلس استمع فيه لثلاث قصائد أنشده إياها لبيدُ بن ربيعة، فحكم له بعد الأولى بأنه "أشعرُ بني عامر"، وبعد الثانية بأنه "أشعرُ هوازن"، وبعد الثالثة بأنه "أشعرُ العرب"[3]؛ ومنها  حكمه لقيس بن الخطيم بأنه "أشعرُ الناس"[4]، وحكمه للربيع بن أبي الحقيق بأنه "أشعرُ الناس" أيضا[5]. وقد سُئل النابغة في أحد تلك المجالس، مَنْ أشعرُ الناس؟ فقال: "أَشْعَرُ الناس مَنْ استُجيدَ كَذِبُه، وضُحِكَ مِنْ رَديئه"[6]. وفي رواية ثانية: "سُئِلَ النَّابِغَةُ مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: مَنْ أسْتُجِيْدَ كَذِبُهُ، وَأضْحَكَ رَدِيْئُهُ"[7]. وفي رواية ثالثة، قال: "أشعرُ الناس من استجيد كذبُه، وضُحِكَ من رديئه"[8]. وسوف نورد أخبار تلك مجالس إبان حديثنا عن ظواهر وخصائص أخرى مَيَّزَت النقد الشفهي في العصر الجاهلي.

كان النابغة الذبياني من فحول شعراء الجاهلية، وأحدَ أصحاب المعلقات السبع. وقد جعلته مكانتُه الشعرية هذه ذا صوت مسموع في فض الخصومات الشعرية وإصدار الأحكام النقدية والمفاضلة بين الشعراء، ومن ثمة أسهم في بلورة الحس النقدي في هذه المرحلة المبكرة.

 

- اعْتُمِد ربيعةُ بن حُذار الأسدي حَكَمًا بين أربعة شعراء كبار في أواخر العصر الجاهلي، فقد ""تحاكم الزَّبْرَقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وعَبْدَة بن الطبيب والمُخَبَّل السعدى إلى ربيعة بن حذار الأسدي فى الشعر؛ أيهم أشعر؟ فقال للزبرقان: أما أنت فشعرك كلَحْم أَسْخَن، لا هو أُنضِج فأُكِل ولا تُرِك نَيّْئًا فيُنتفَع به؛ وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبَرود حِبْر، يتلألأ فيها البصر، فكلما أُعيدَ فيها النظر نقص البصر؛ وأما أنت يا مخبّل فإنّ شعرك قَصَّر عن شعرهم وارتفع عن شعر غيرهم؛ وأما أنت يا عَبْدَة فإنّ شعرك كمَزادةٍ أُحْكِم خرزُها فليس تقطر ولا تمطر"[9].

كان ربيعة بن حذار الأسدي أحد كبار شعراء الجاهلية، فضلا عن كونه من سادات العرب وخطبائهم وفرسانهم وحكمائهم، لدرجة أنه لُقِّبَ "قاضي العرب". عَدَّه ابنُ حبيب فارسا جرارا لأنه يرأس ألفا من الفرسان، وذكر الجاحظ أنه كان "من الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء"[10]. وقال عنه الأعشى:

وإِذا طَلَبْتَ المَجْدَ أَيْنَ مَحَلُّهُ

***

فَاعْمَدْ لِبَيْتِ رَبيعَةَ بْنِ حُذارِ

وذكره النابغة الذبياني في شعره إذ قال:

رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أَدْراعِهِم

***

فيها ورَهْطُ رَبِيعَةَ بنِ حُذارِ

ويُرْوى أنه حُكِّم في خصومة بين بنى كلاب وبنى رباب وبين عبد المطّلب، في مال قريب من الطائف، حيث قال عبد الْطلب: "المالُ مَالِي، فسلوني أعطكم، قالوا: لا، قال: فَاخْتاروا حَاكِما. قَالُوا: ربيعَة بن حذار الأَسدي، فتراضوا بِهِ". فلما تبين الخصومةَ قال لهم: "والغسق والشفق، والخلق المتّفق، ما لبني كلاب وبني رباب من حقّ، فانْصَرِفْ يا عبدَ المطّلب على الصواب، ولك فَصْلُ الخطاب"[11].

 

- اُتُّخِذَ لبيدُ بن ربيعة – حسب العديد من الروايات – مَرْجِعًا في الحكم على الشعراء وفي المفاضلة بينهم؛ فقد ذكرت إحدى الروايات أنه "مَرَّ بمجلس بني نهد بالكوفة، وبيده عصا له يتوكأ عليها بعدما كبر، فبعثوا خلفه غلاماً يسأله: من أشعرُ الناس؟ فقال: ذو القروح بن حجر الذي يقول:

وبُدِّلْتُ قَرْحًا دامِيًا بَعْدَ صِحَّةٍ

***

فَيا لَكِ نُعْمَى قَدْ تَبَدّلْتِ أَبْؤُسَا

يعني امْرُأَ القيس، فرجع إليهم الغلام وأخبرهم، قالوا: ارجع فاسأله: ثم من؟ فرجع فسأله: ثم من؟ قال: ثم ابن العُنَيْزَتَيْن، يعني طرفة. قال: ثم من؟ قال: صاحب المِحْجَن، يعني نفسه"[12].

وفي رواية أخرى: "سُئل ليبد: مَنْ أشعرُ الناس؟ قال: الملك الضِّلّيل، قيل: ثم من؟ قال: الشاب القتيل، قيل: ثم من؟ قال: الشيخ أبو عقيل يعني نفسه"[13]. وفي رواية ثالثة: "قال أبو عبيدة: مرّ لبيد بمجلس لنهد بالكوفة، وهو يتوكّأ على عصا، فلمّا جاوَزَ أَمَروا فَتًى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعرُ العرب؟ ففعل، فقال له لبيد: الملك الضِّلِّيل، يعنى امْرُأَ القيس، فرجع فأخبرهم، قالوا: ألّا سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: ابن العشرين، يعنى طرفة، فلما رجع قالوا: ليتك كنت سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: صاحب المحجن، يعنى نفسه"[14].

 

- اتخذت القبيلة - في بعض الروايات- دورَ الناقد الحَكَم، ومن ذلك قبيلة قريش، التي جُعِلَت لغتُها وقِيَمُها الثقافية معيارا للحكم على أشعار العرب، لأسباب دينية واقتصادية وثقافية. فقد روى الأصفهاني عن حماد الراوية، قال: "كانت العَرَبُ تعرض أشعارَها على قُرَيْشٍ فَما قبلوا مِنْهُ كانَ مَقْبولًا وَما رَدّوا مِنْهُ كانَ مردودًا. فَقدم عَلَيْهِم عَلْقَمَة بن عَبْدَة فأنشدهم قصيدته الَّتي أَولُها:

هَلْ ما عَلِمْتَ وَما استْوْدَعْتَ مَكْتومُ

***

أمْ حَبْلُها إِذْ نَأَتْكَ اليَوْم مَصْرومُ

فَقالوا هَذا سِمْطُ الدَّهْر، ثمَّ عاد إِلَيْهِم فِي العام القابِل فأنشدهم قَوْلَه:

طَحا بِكَ قَلْبٌ في الحِسانِ طَروبُ

***

بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصْرَ حانَ مَشيبُ

فَقَالُوا هَذَانِ سِمْطا الدَّهْرِ"[15].

وفي رواية أخرى أوردها البغدادي عن حماد الراوية، قال: "كَانَت العَرَب تعرض أشعارها على قُرَيْش فَما قبلوه مِنْها كانَ مَقْبولًا وَما رَدّوهُ مِنْها كانَ مردودًا، فَقدم عَلَيْهِم عَلْقَمَة بن عَبدة فأنشدهم قصيدته الَّتِي يَقول فيها:

هَلْ ما عَلِمْتَ وَما استْوْدَعْتَ مَكْتومُ

***

 

فَقالوا: هَذِه سِمْطُ الدُّرّ. ثمَّ عَاد إِلَيْهِم فِي العام المُقْبِل فأنشدهم:

هَلْ ما عَلِمْتَ وَما استْوْدَعْتَ مَكْتومُ

***

 

فَقالوا هاتانِ سِمْطا الدُّرّ"[16].

والسِّمْط هو القلادة الطويلة التي تتزين بها النساء، تتكون من خيط ينتظم الجواهر، فإذا كانت مصنوعة من خيطين منظومين سُمِّيَت قلادة ذات سِمْطَيْن. ففي الرواية الأولى شُبِّهَت قصيدتا علقمة بقلادة ذات سِمْطَيْن يُتَزَيَّنُ بهما عبر الأزمان، وشُبِّهَت في الرواية الثانية بقلادة ذات سِمْطَيْن من اللؤلؤ عظيم الحجم. وفي هذا التشبيه صياغة أولية لمصطلح سيعرف تداولا بين النقاد العرب كلما تحدثوا عن قصائد ذات قيمة شعرية كبيرة، من حيث تماسك النظم وجودة السبك. من ذلك أن القصائد السبع الطوال (المعلقات) ستسمى سُموط، ومن ذلك أن الأبيات المشطورة التي تنتظمها قافية موحَّدة ستسمى شعرا مُسَمَّطًا...

إن قريشا في رواية  حَمّاد ليست إلا مجازا مُرْسَلا قائما على المحلية، لأن المقصودَ به نخبةُ الشعراء النقاد، من المنتمين إلى هذه القبيلة ومن الوافدين عليها. فقد كانت مكة (ومعها قبيلة قريش) مركزا اقتصاديا ودينيا وثقافيا؛ حيث ضَمَّتْ الكعبةَ مَحَجَّ العرب، واجتمعت فيها أهم أسواقهم، فمنها سوق ذي الجاز الذي كان يدوم ثلاثة أيام، ومنها سوق مجنة الذي كان يدوم سبعة أيام، ومنها سوق عكاظ الذي يستغرق شهرا بكامله. وكانت هذه الأسواق تضم منتدياتٍ للخُطب والأشعار ومجالسَ للنقد والأخبار، يشارك فيها حكماء العرب وفصحائهم من المقيمين والوافدين. قال أبو عمرو بن العلاء: "كانت العرب تجتمع في كل عام بمكة، وكانت تعرض أشعارها على هذا الحي من قريش"[17]. وقد سبقت الإشارة إلى القُبَّة التي كانت تُقام للنابغة الذبياني في سوق عكاظ، يجتمع إليه فيها الشعراء، فيحكم على أشعارهم ويفاضل بينهم.



[1]- ابن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، دار الثقافة، بيروت، 1969، ص 145- 146. وقد تناقل هذه الرواية العديد من المصادر الأدبية القديمة الأخرى، حيث أوردها ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"، والبغدادي في "خزانة الأدب"، وابن رشيق في "العمدة"، والمرزوقي في كتاب "الأمكنة والأزمنة"، والمرزباني في "الموشح"...

[2]- أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تحقيق سمير جابر، دار الفكر، بيروت،  ج 9، ص 383- 384 .

[3]- حسين بن أحمد الزَّوْزَني، شرح المعلقات السبع، دار إحياء التراث العربي، ، 2002، ج 1، ص 167.

[4]- ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، دار المعارف، القاهرة، 1988، ص 262؛ وحسن الجناجي، النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، 1983، ص 20.

[5]- علي بن ظافر الأزدي، بدائع البدائه، طبعة مصر، القاهرة، 1861، ص 96.

[6]- تقي الدين الحموي، خزانة الأدب وغاية الأرب، تحقيق عصام شقيو، مكتبة الهلال، بيروت، 2004، ج 2، ص 7.

[7]- عبد الله بن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، دار الكتب العلمية، 1982، ج 1، ص 271.

[8]- الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، 1981، ج 2، ص 53.

[9]- أبو عبيد الله المرزباني، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، تحقيق محمد علي البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1965، ص 107.

[10]- عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423 هـ، ج1، ص 292.

[11]- شهاب الدين النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 1423 هـ، ج 3، ص 133؛  ومنصور أبو سعد الآبي، نثر الدر في المحاضرات، تحقيق خالد عبد الغني محفوظ، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004، ج6، ص216.

[12]- محمد بن أبي الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحقيق علي محمد البجادي، دار نهضة مصر، القاهرة، د ت، ج 1، ص 46.

[13]- الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، 1981، ج 1، ص 95.

[14]- عبد الله بن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، دار الحديث، القاهرة، 1423ه، ج 1، ص 186.

[15]- أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تحقيق سمير جابر، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، د ت، ج 21، ص 206- 207.

[16]- عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1997، ج11، ص 289.

[17]-  مصطفى صادق، الرافعي، تاريخ آداب العرب، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2013، ج3،ص799.


    المسرح في العصر الوسيط ا لأستاذ عبد الواحد المرابط   يقع العصر الوسيط بين العصر القديم والعصر الحديث، حيث بدأ مع سقوط الإمبراطورية...