الخميس، 7 مايو 2020

الكوميديا المرتجَلة


الأستاذ عبد الواحد المرابط
--------------------------------

الكوميديا المرتجَلة

للكوميديا المُرْتَجلة (Commedia all'Improviso) تسميات أخرى، منها "كوميديا الفنانين" (Commedia dell’arte) و"كوميديا الخُطاطة" (Commedia a Soggetto) و"الكوميديا الشعبية" و"الكوميديا الإيطالية"، وهي نوع من العروض المسرحية القائمة على الارتجال، ظهرت في إيطاليا خلال القرن السادس عشر، وبلغت أوجها خلال القرن السابع عشر، حيث انتشرت في العديد من الدول الأوربية، وفي مقدمتها فرنسا.
تعتمد هذه الكوميديا على الارتجال الذي يقوم به ممثلون محترفون؛ لذلك لم تكن فيها نصوص درامية مكتوبة بشكل كامل، وإنما تنطلق من خطاطات (Canevas) تتضمن تذكيرا بأهم الأحداث التي تنبني عليها حبكة المسرحية. وكانت هذه الخطاطات تُعَلَّقُ في الكواليس لتساعد الممثلين على تذكر لحظات الدخول إلى الرُّكح، وترشدهم للحفاظ على المسار العام للحبكة. وما عدا ذلك فهي تترك لهم حرية الارتجال في الحوارات وفي الربط بين الأحداث؛ ولذلك تتغير المسرحية من عرض إلى آخر، حسب تصرفات الممثلين وتفاعلات الجمهور.
إن العنصر المحوري في عروض الكوميديا المرتجلة هو الشخصيات المتفردة التي تقدمها للجمهور؛ فهي شخصيات نمطية مستقاة من النماذج الاجتماعية، يتم تشخيصها وتمثيلها بصورة كاريكاتورية تُضَخِّم العيوب والأخطاء لتثير سخرية المتفرج، ومن ثمة تساهم في تقويم السلوك الاجتماعي العام. وهكذا تصير تلك الشخصيات مألوفة لدى الناس ومعروفة لديهم بخصائص ثابتة تتكرر في عروض مختلفة.
فقد بلور التقليد الإيطالي شخصيات نمطية عديدة، سرعان ما استنسختها (أو اقتبستها) مسرحيات فرنسية وإنكليزية وإسبانية وألمانية وأوروبية عموما، فأضفت عليها طوابع محلية تُقَرِّبها من الجمهور. ومن تلك الشخصيات التي عبرت حدود إيطاليا نذكر ما يلي: شخصية بّنطالوني (Pantalone) الإيطالي، أو بانطالون (Pantalon) الفرنسي، وهو شيخ موسوس يجمع بين الثراء والبخل والخلاعة؛ وشخصية المهرج أرْلُكينو (Arlecchino) الإيطالي، أو أرْلُكان (Arlequin) الفرنسي، الذي اجتمعت فيه صفات التبجح والجبن والكسل والشراهة؛ وشخصية سْكابّينو (Scapino) الإيطالي، أو سْكابّان (Scapin) الفرنسي، وهو خادم ذكي ومنافق وجشع، يورط سيدَه في مشاكل ويدعي مساعدته؛ وشخصية بولْتشينيلا (Pulcinella) الإيطالي، أو بينش (Punch) الإنكليزي، أو بوليشينيل (Polichinelle) الفرنسي، وهو خادم سافل وبذيء وشنيع؛ وشخصية سكاراموشيا (Scaramuccia) الإيطالي، أو سكاراموش (Scaramouche) الفرنسي، وهو متعجرف وجبان؛ وشخصية بْريكيلّا (Brighella) الإيطالي، أو بريكيل (Briguelle) الفرنسي، وهو قصير القامة، يتميز بالمكر والكذب؛ وشخصية بّاكْلياسيو (pagliaccio) الإيطالي، أو بّايّاس (Paillasse) الفرنسي، وهو يثير السخرية ببلاهته وحماقته؛ وشخصية ماطاموروس (matamoros) الإسباني، أو ماطامور (Matamore ) الفرنسي، وهو قبطان متبجح يدعي بطولات زائفة؛ وشخصيات دْزاني (Zannis)، وهم الخدم المُقَنَّعين الذين يقومون بحماقات تثير سخرية الجمهور.
وقد كانت كل واحدة من هذه الشخصيات ترتدي لباسا خاصا يميزها، فضلا عن طريقة خاصة في الكلام والحركة والسلوك تجعلها محور العرض المسرحي، ضمن فرقة تتكون في الغالب من ثلاث ممثلات وستة ممثلين، كلهم بارعون ومحترفون. وكانت الفرقة في الغالب متنقلة بين المدن والقرى، حيث تقدم عروضَها على ألواح خشبية يتم بناؤها بشكل مؤقت، وتعتمد اللغة الشعبية العامية، والأقنعة والأزياء المضحكة.
وقد اشتُهِر من رواد الكوميديا المرتجلة أنجيلو بيوكلو (Angelo Beoclo) الملقب بـ "ريزانطي" (Ruzzante) (تـ 1542)، وأنجيلوا كونستانتيني (Angelo Costantini) (تـ 1729)، وألبيرطو ناسيللي  (Alberto Naselli ) الملقب بـ"زان كاناسّا" (Zan Ganassa) (تـ 1584)، ونيكولو باربييري (Niccolò Barbieri) الملقب بـ"بيلترام" (Beltrame) (تـ 1641)، ودومينيكو بياكوليللي (Domenico Biancolelli) (تـ 1688 )، وكارلو كازّي (Carlo Gozzi) (تـ 1806 )، وكارلو كولدوني (Carlo Goldoni) (تـ 1793 )، وإيفاريست جيراردي (Évariste Gherardi) (تـ 1700 )، وتيبيريو فيوريللي (Tiberio Fiorilli) (تـ 1694) الملقب بـ"سكاراموش" (Scaramouche)، والفرنسي جان فرانسوا رينيار (Jean-François Regnard) (تـ 1709).
كان لعروض الكوميديا المرتجلة تأثير ملحوظ في كُتّاب الكوميديا الباروكية والكوميديا التقليدية (الكلاسية)؛ فالأولى استوحت منها الطابع الهزلي والأقنعة، والثانية اقتبست منها العديد من الشخصيات النمطية.











الاثنين، 4 مايو 2020

المسرح الباروكي


الأستاذ عبد الواحد المرابط

------------------------------------------

المسرح الباروكي


بدأ عصر النهضة بنوع من المسرح يسمى "مسرح الباروك" أو "المسرح الباروكي" (Baroque)، وهي تسمية قدحية استعملها مؤرِّخو الفن - فيما بعد - للدلالة على الغرابة والإفراط اللذين طبعا الفنون والآداب خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر والنصف الأول من القرن السادس عشر؛ فهي مأخوذة من الكلمة البرتغالية (Barroco) التي تعني "اللؤلؤة غير المنتظمة"، أو "اللؤلؤة ذات الشكل المعقد"، غير أن دلالتها توسعت لتعني كل شيء معقد في جملته وفي تفاصيله.

انتشر هذا الأسلوب الفني في مختلف مجالات الإبداع، في الرسم والنحت والعمارة والموسيقى والأدب، بدءا من المدن الإيطالية إلى مختلف المدن الأوربية، في ألمانيا وهولاندا وإنكلترا وفرنسا وإسبانيا وغيرها... وكان يقوم على رؤية فلسفية ترى أن العالم قائم على التناقضات والمفارقات التي يمكن أن نجمعها في عمل فني يبدو منسجما.

وقد وجد فن الباروك في المسرح وسيلةً فنية هائلة للتعبير عن هذه الرؤية المركبة: فالعالم مسرحية كبيرة، وعلى المسرح أن يعبر عن الفوضى الثاوية خلف نظامه الظاهر، فيجمع بين الفوضى والنظام، وبين الواقع والخيال، وبين الحقيقة بالوهم، وبين المألوف والعجيب؛ ومن ثمة يُمَثِّل العالَم، ويُحَوِّل الحياة إلى فن.

وقد تجلت هذه المبادئ الفنية من خلال موضوعات المسرح الباروكي وتقنياته: فعلى مستوى الموضوعات نجد الأوهام والمفارقات والتناقض والإفراط والمبالغة والجنون والموت والشك والتردد والتحول والتغير والغموض والغرابة والإفراط واللّاعقلانية والعجائب، فضلا عن العواطف غير المستقرة والأطوار الغريبة. أما على مستوى التقنيات، فنجد التمثيل داخل التمثيل والمبالغة في الحركة وكثافة الديكور وكثرة الألوان وغرابة الأمكنة وتقلب الشخصيات والأحداث وجرأة الأسلوب واستعارية اللغة، فضلا عن خرق وَحْدَتَي المكان والزمن، ومزج الجد بالهزل، وخلط التراجيديا بالكوميديا، وتعقد الحبكة، ووفرة العناصر السينوكرافية...

ظهر المسرح الباروكي (وفن الباروك عموما) في المدن الإيطالية أولا، لذلك سُمِّي في بداية أمره "المسرحَ الإيطالي"، أو"الفنَّ الإيطالي". وقد اتخذ هناك أشكالا متنوعة، منها الأوبِّرا (Opera) والأوبّيريت (Opérette) والكوميديا المُرتجَلة (commedia dell’arte). وبعد ذلك امتد إلى سائر المدن الأوربية، في إنكلترا مع وِليام شِكْسْبّير (William Shakespeare) (تـ 1616)، وفي فرنسا مع بّْيير كورناي[1] (Pierre Corneille) (تـ 1684 وفي ألمانيا مع أندرياس كريفيوس (Andreas Gryphius) (تـ 1664)، وفي هولاندا مع يوست فونديل (Joost Vondel) (تـ 1679)، وفي إسبانيا مع لوبِّي دي فيكا (Lope de Vega) (تـ 1562 ) وتيرْسو دي مولينا (Tirso de Molina) (تـ 1648) وكالْديرون دي لاباركا (Calderón de la Barca) (تـ 1681 ) وخوان ريز دي ألارْكون (Juan Ruiz de Alarcón ) (تـ 1639)...

من النماذج التي مثلت المسرح الباروكي في أوربا، نشير باختصار إلى مسرحيتَي "الوهم الهزلي" (L'Illusion comique) (1636) و"السيد" (Le Cid) (1637) للكاتب الفرنسي بّْيير كورناي، وإلى مسرحيتَي "حلم ليلة صيف" (A Midsummer Night's Dream) (1600) و"دون جوان" (Dom juan) (1665) للكاتب الإنكليزي ويليام شِكْسْبّير:

1- تعرض مسرحية "الوهم الهزلي" أحداثا وقعت بين الأب بّريدَمان (Pridamant) وابنه كْلينْدور (Clindor). فقد كان هذا الأب يقسو على ابنه، مما جعل هذا الأخير يفر ويختفي عن الأنظار، فبدأ الأب يبحث عن ابنه واستعان بالساحر (Alcandre)، الذي ذهب به إلى مغارة وبدأ يصور له رحلةَ ابنه عبر الأمكنة، إلى أن شاهده يموت. تبين في ما بعد أن الأمر يتعلق بلعبة مسرحية، مَثَّل فيها الابن دورَ الساحر ليجعل أباه يندم على قسوته. وفي الأخير يتم الثناء على المسرح لأنه يوصِلنا إلى الواقع عن طريق الخيال. وقد جمعت هذه المسرحية بين المأساة والملهاة، ومزجت الواقعي بالعجائبي، وحطمت وحدة الزمن والمكان والحدث، واعتمدت الوهم الذي يوصل إلى الحقيقة، فضلا عن توظيفها المسرحَ داخل المسرح.

2- عرضت مسرحية "السيد" حكايةَ الشاب رودْريك (Rodrigue) والشابة شيمين (Chimène)، اللذين جمعتهما علاقة حب وتعاهدا على الزواج. غير أن هذا العاشق وجد نفسه ممزقة بين عاطفة الحب وبين الرغبة في الثأر من أبِ حبيبته الذي صفع أباه وأهانه، فانتهى إلى قتله دون أن يتخلى عن حبه. أما شيمين، ورغم حبها له، فقد سعت إلى الانتقام منه، فسلطت عليه مُحِبَّها سانْش (Sanche) على أنها ستتزوج المنتصِر، فانتصر رودريك وطلب يدها... جمعت هذه المسرحية بين الكوميديا والتراجيديا، ولم تحترم قواعد الوحدات الثلاث، ولا مبدأ المشابهة (Vraisemblance) ولا مبدأ التأدب (bienséance).

3- عرضت مسرحية ويليام شكسبير، "حلم ليلة صيف"، قصةَ حب معقدة ومشابكة بين أربعة عشاق، تدور أحداثها في مدينة أثينا اليونانية وفي غابة مجاورة لها؛ فمن جهة أولى هناك حب متبادل بين ليساندر (Lysander) وهيرميا (Hermia)، اللذين يرغبان في الزواج؛ ومن جهة ثانية هناك ديميتريوس (Demetrius) الذي يحب هيرميا من طرف واحد؛ ومن جهة ثالثة هناك هيلينا (Helena) التي تحب ديميتريوس من طرف واحد.

فقد رغب إيكوس (Egeus) أبُ هيرمينيا في أن يزوجها لديميتريوس، وهدَّدها بأن يلجأ إلى قانون البلاد ويطلب إعدامها إن رفضت ذلك. وعلى إثر ذلك قرر العاشقان (ليساندر وهيرميا) مغادرة البلاد نحو بلاد أخرى لا تخضع لذلك القانون، فعلمت هيلين بذلك وأخبرت ديميتريوس لكي يبادلها الحب ويتخلى عن هيرميا، لكن هذا الأخير لاحق العاشقَين، فتبعته لكي تثنيه عن ذلك. وهكذا خرج العشاق الأربعة من أثينا وتاهوا ليلا في ضباب الغابة المجاورة. وهناك تَدَخَّل في قصتهم ملكُ الجن أوبيرون (Oberon)، الذي أشفق على هيلينا، فطلب من خادمه بّوك (Puck) أن يضع رحيق زهرة الحب في عيني ديميتريوس لكي يراها عندما يستيقظ ويحبها، غير أن هذا الخادم أخطأ فوضع الرحيق في عيني أليساندر، ثم حاول إصلاح ذلك الخطأ فوضع الرحيق في عيني ديميتريوس، فكانت النتيجة أن صار الشابان معا يحبان هيلينا ويتصارعان من أجلها. وبعد هذا الالتباس زال مفعول الرحيق السحري، فعاد ليساندر إلى حبيبته هيرميا، واقتنع ديميتريوس بحب هيلينا، فقرروا جميعا العودة إلى أثينا لإقامة حفلات الزواج.
4- عرضت مسرحية "دون جوان" حكاية نبيل إسباني كان يتقرب إلى النساء ويتلاعب بمشاعرهن. فبعد أن تخلى عن إلْفير (Elvire)، بدأ يتقرب من شارْلوت (Charlotte) ويتودد لماتورين (Mathurine) في نفس الوقت، فقتله إخوة شارلوت. جمعت هذه المسرحية بين الكوميديا والتراجيديا، ولم تحترم وحدتي الزمن والمكان، وعرضت شخصيات غير مستقرة، فضلا عن إدراجها لمشاهد وأحداث عجيبة غير واقعية.









[1]- عُرف كورناي بمسرحياته التراجيدية الكبرى، التي تجعله ممثلا بارزا للاتجاه الكلاسيكي، لكنه كتب أيضا مسرحيات باروكية تجمع بين التراجيديا والكوميديا.

الأحد، 3 مايو 2020

المسرح في العصور الوسطى

الأستاذ عبد الواحد المرابط

----------------------------


المسرح في العصور الوسطى

إعداد عبد الواحد المرابط

يقع العصر الوسيط بين العصر القديم والعصر الحديث، حيث بدأ مع سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس وامتد إلى القرن الخامس عشر. وهو يُقَسَّم عادة إلى ثلاث مراحل: العصر الوسيط الأول (قـ 5- 10)، والعصر الوسيط المركزي (قـ 11- 13)، والعصر الوسيط المتأخر (قـ 14- 15). وقد عرف هذا العصر سيطرةَ الكنيسة على مختلف مظاهر الحياة في أوروبا، من خلال نظام فيودالي إقطاعي يقوده النبلاء ورجال الدين.

عملت الكنيسة في القرون الأولى من هذا العصر على إخماد شعلة المسرح وغيره من الآداب والفنون، حيث أُدين الممثلون والمشتغلون بالمسرح وحُشِروا في زمرة المارقين والمنبوذين واللصوص والعاهرات، بل حُرموا من دخول الكنائس ومن مناولة القربان المقدس. فقد حورِبت التقاليد الإغريقية والرومانية لما فيها من مظاهر وثنية مخالفة للتعاليم النصرانية، فأُغْلِقت المسارح واعتُبِر التمثيل والتصوير والنحت والغناء والرقص خطايا تستوجب العقاب في الدنيا وفي الآخرة.

غير أن رجال الدين انتبهوا - في ما بعد - إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المسرح في تعبئة الناس وترسيخ شعورهم الديني، لذلك شرعوا - ابتداء من القرنين الثامن والتاسع - يقدمون مسرحيات يُمَرِّرون من خلالها القصص الدينية الإنجيلية والمواعظ الأخلاقية وطقوس الصلاة والعبادة، فَحَلَّ الكتابُ المقدس محل المصادر الأسطورية والملحمية التي كان المسرح ينهل منها في العهدين الإغريقي والروماني، وصار الموضوع المحوري للمسرح الوسيط هو آلام المسيح وتضحياته من أجل خلاص الإنسان.

وكانت هذه العروض الدينية في البداية تُقَدَّم داخل الكنائس والكاتدرائيات، خلال أعياد ميلاد المسيح وأعياد الفصح وأعياد الخميس النصرانية، فأصبح المسرح جزءا مُكَمِّلًا للصلاة والتعبد، يستحضر قصة الخلق وسِيَرَ الأنبياء والقديسين. وكان هذا المسرح يُقدَّم للمؤمنين من خلال حوارات وأناشيد يضطلع بها الرهبان والقساوسة.

ولما استقطب هذا المسرح الديني جمهورا واسعا لم تعد فضاءات العبادة تستوعبه، خرج به الرهبان إلى الساحات العامة، وهناك عرف - تدريجيا - بعض التحولات التي مست شكله ومضمونه، حيث بدأ يزاوج بين المحتويات الدينية والدنيوية، ويستقطب مؤلِّفين غير الرهبان، فتسربت إلى حواراته اللغاتُ العامية وبعضُ الأفكار الإصلاحية، وظهر الممثلون المحترفون، وشُيِّدت السقالات الخشبية لمنصة التمثيل ومقاعد الجمهور. وقد صب ذلك في صالح الحركات البروتِستانية المناهضة للتقاليد الكاتوليكية، فبدأت الجماهير تتذوق الجوانب الفنية والجمالية للمسرح، فضلا عن جوانبه الدينية.
وفي موازاة هذا المسرح الديني، نما نوع من المسرح الدنيوي، ابتعد - إلى حد ما - عن الدراما الطقسية، واتجه نحو الحكايات الشعبية والغناء والرقص واللعب البهلواني. ظهر هذا الشكل في بداية الأمر داخل قصور الأغنياء ورجال الدولة، حيث تنتهي الحفلات بعروض مسرحية تمثل قصصا طريفة وتجسد شخصيات نمطية مُضحكة وحوارات هزلية، فضلا عن النكت الساخرة والحركات البهلوانية. وفي هذا السياق تطورت فنون العرض، من تعبير جسدي صامت (الميم (Mine) وبانتوميم (Pantomime)) وبهلوان (acrobate) وتلاعب جسدي (Jongleurs) وسيرك (Cirque) وغير ذلك... وقد تعامل رجال الدين مع هذا المسرح بنوع من التحفظ دون أن يستطيعوا مصادرته، احتراما لحلف السياسة والدين؛ فكانوا يحضرون الولائم التي يُدْعَون إليها، ثم ينسحبون قبل بداية العروض. وخارج قصور الأغنياء، بدأت تظهر مسارح شعبية متنقلة تجوب القرى والمدن، وتقدم عروضَها الهزلية فوق العربات التي تتحول إلى منصات للتمثيل.

خلاصة الأمر أن العصر الوسيط عرف نوعين من المسرح: مسرح ديني طقسي (liturgique) نشأ في الكنائس والكاتدرائيات وامتد إلى الساحات العمومية، يشرف عليه الرهبان والقساوسة؛ ومسرح دنيوي (profane) نشأ في قصور الأثرياء ورجال السلطة، وعند الفرق المتجولة في بين المدن والقرى. وقد خضع كل نوع منهما لمسار من التطور التدريجي، فتغيرت محتوياته وأشكاله على مدى القرون، تمهيدا لمسرح عصر النهضة.

فقد تطور المسرح الطقسي، داخل الكنائس وخارجها، ليفرز ثلاثة أنواع من المسرحيات الدينية: مسرحيات الأسرار، ومسرحيات المعجزات والخوارق، ومسرحيات الأخلاق: الأولى كانت تعرض حياة المسيح وعذاباته انطلاقا من الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد)؛ والثانية كانت تعرض حياة القديسين وكراماتهم، بدءا بقصة مريم العذراء؛ والثالثة كانت تُشَخِّص حكايات تعليمية أخلاقية للوعظ والإرشاد الديني.

من المسرحيات الدينية التي وصلتنا، "زيارة المقبرة" (Visitatio Sepulchr) للراهب الإنجليزي "سانت إيتلوود" (Saint Ethelwold) من القرن العاشر، وهي تشخص قصة قِدِّيسات ذهبن لزيارة قبر المسيح، فظهرت الملائكة وأوحت إليهن بأسرار إلهية؛ ومسرحية "القديس نيكولا" (li Jus de saint Nicholai) للشاعر جون بوديل (Jean Bodel) من القرن الثاني عشر، وهي تعرض كرامات هذا القديس وقدرته على التبشير؛ و"تمثيلية آدم" (Le Jeu d'Adam) لمؤلف مجهول من القرن الثاني عشر، وهي تجمع بين الأناشيد الدينية اللاتينية والحوارات الفرنسية، وتشخص خطيئة آدم وحواء وخروجهما من الجنة، وقصة قتل قابيل لأخيه هابيل، ثم تَعاقب الأنبياء المُخَلِّصين وصولا إلى السيد المسيح؛ ومسرحية "معجزات تْيوفيل" (Miracles de Théophile) للكاتب الفرنسي روتْبوف (Rutebeuf) من القرن الثالث عشر، وهي مستوحاة من سيرة قديس باع نفسه للشيطان ليسترد أمواله التي سلبه إياها أحد الأساقفة، لكنه لم يفلح في ذلك فندم وطلب المغفرة من السيدة العذراء؛ ومسرحية "كل إنسان" لمؤلِّف مجهول من أواخر القرن الخامس عشر، وهي تعرض شخصيات ترمز بكل منها لصفة من الصفات المجردة: فشخصية "كل إنسان" رجل ثري يستدعيه الموت فجأة للمثول أمام الله من أجل محاسبته، فطلب من أهله وأصحابه أن يرافقوه في رحلته لكنهم رفضوا وتخلوا عنه، وطلب من "المعرفة" أن تصاحبه لكنها رفضت واكتفت بأن تنصحه بالاعتراف أمام الله. وفي الأخير تبرع بثروته في سبيل الخير، ودخل الإيمان قلبه، وحين دخل إلى قبره وجد "العمل الصالح" يرافقه ويدخل معه. فالعمل الصالح في نهاية المطاف هو المخلص. وتشكل هذه المسرحية نموذجا للتوجيه الديني والأخلاقي من منظور الكنيسة الكاتوليكية في العصور الوسطى.
أما المسرح الدنيوي، فقد وصلتنا منه مسرحيات عديدة، منها مسرحية "السيد بّاثْلان" (la Farce de Maître Pathelin) لكاتب فرنسي مجهول من القرن الخامس عشر. وهي تحكي عن محام ذكي محتال وَكَّلَه راعٍ اتهمه سيدُه بسرقة خرفان، فاشترط المحامي على المتهم أن يصمت في المحكمة وألا يجيب عن أسئلة القاضي والمُدَّعي إلا بالثُّغاء (أي بصوت الخرفان). ولما نجحت هذه الحيلة وبُرِّئَ المتهمُ، طلب منه المحامي أداء الأتعاب، فلم يسمع منه إلا الثُّغاء.





السبت، 2 مايو 2020

المشاريع السيميائية في النقد العربي المعاصر

المسرح الروماني



الأستاذ عبد الواحد المرابط
-------------------------



المسرح الروماني

إعداد عبد الواحد المرابط


ورث الرومان تقاليدَ المسرحية الإغريقي، لاعتبارات تاريخية وحضارية، لكنهم أضافوا إليها ما يناسب ثقافتهم وديانتهم ودولتهم العسكرية ذات الطابع الإمبراطوري. وقد بلغ المسرح الروماني أوجَه بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، مع "لوكْيوس سينيكا" (Sénèque) (تـ 65+) في مجال التراجيديا، ومع "بّْلاوتوس" (Plaute) (تـ 184-) و"تيرنتيوس" (Térence) (تـ 159+) في مجال الكوميديا .
احتفظ التاريخ بتسع من مسرحيات سينيكا، هي "ميديا" و"الطرواديون" و"أوديب" و"هرقل غاضبا" و"فايدرا" و"تييست" و"أكاممنون" وهرقل في أوطا" و"الفينيقيون". وقد كُتبت معظم هذه المسرحيات على غرار التراجيديات الإغريقية، إذ تضمنت الجوقة وثلاث شخصيات رئيسية، واستوحت الأساطير والملاحم، غير أن سينيكا أعطى للحوارات طابعا خطابيا وشحنها بالتأملات الفلسفية، انسجاما مع ثقافته البلاغية والفلسفية.

أما بلاوتوس فقد كتب إحدى وعشرين مسرحية، منها "أُومفيتْرِيون" و"أوليلارْيا" و"الإخوة مينايْشمي" و"العائد" و"الجندي المتبجح" و"القرطاجيون". وقد استفاد في هذه المسرحيات من تقنيات الكوميديا الإغريقية، وكَيَّفها وفق الطقوس والتقاليد الرومانية، كما أنه اعتمد الشخصيات النمطية من قبيل البخيل والمخدوع والمتكبر، فصوَّرها تصويرا ساخرا بهدف تقويم سلوك الناس.

وأما تيرنتيوس فقد ترك خمس مسرحيات، هي "أندريا" و"القائد" و"الأخ" و"المخصي" و"ضحية نفسه". وقد كان في هذه المسرحيات يميل إلى التَّورية وإلى السخرية اللّاذعة والتصوير الكاريكاتوري للشخصيات والواقع، وتصوير الحياة الشخصية والاجتماعية من أجل الموعظة الأخلاقية.
وقد عرفت البناية المسرحية تطورا ملحوظا عند الرومان؛ فبعد أن كانت عند الإغريق فضاء مفتوحا يتكون من منصة للتمثيل ودائرة للجوقة تحيط بهما مدرجات مستندة نسندها تَلَّةٌ أو مرتفعٌ من الأرض، صارت فضاء مغلقا تحيط به من الخارج أسوار عالية، وأصبحت المدرجات موزعة عموديا على طبقات ثلاث ترفعها أعمدة حجرية ضخمة وعالية. وقد تعددت هذه المسارح في المدن الرومانية خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، وشُيِّدت على غرارها مسارح أخرى في سائر البلاد التي استعمرها اليونان في أوربا وحوض البحر الأبيض المتوسط.

ومن جهة أخرى، تم توجيه مضامين العروض المسرحية ورسائلها نحو أهداف سياسية تخدم المنحى العسكري والتوسعي للدولة الرومانية، لذلك حفلت التراجيديات الرومانية بقيم الإرادة والقوة، وحفلت الكوميديات باللعب البطولي وأفراح النصر.






الجمعة، 1 مايو 2020

النبوغ المغربي في الأدب العربي


الأستاذ عبد الواحد المرابط
---------------------------------


"النبوغ المغربي في الأدب العربي" لمؤلفه عبد الله ﮔنون


كتب عبد الله ﮔنون (1326-1409هـ/1908-1989م) هذا الكتاب ونشره سنة 1357هـ/1938م، بالمطبعة المهدية في تطوان[1] وهو يقع- حسب طبعته التي نعتمدها هنا- في ثلاثة أجزاء ضمن كتاب/مجلد واحد يستوعب 974 صفحة.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمات يليها ثلاثة أجزاء، حيث خصص الجزء الأول لـ«الدراسة» (ص.35-317)، وخصص الجزء الثاني لـ«المنتخبات النثرية» (ص.631-943)، كما خصص الجزء الثالث لـ«المختارات الشعرية»(ص.631-1943)، ليختم ذلك كله بلائحة تضم مصادر الكتاب (ص.945-961) ثم فهرس لمحتوياته (ص.963-974).
أما المقدمات فقد تشكلت مما يلي:
- مقدمة الطبعة الثانية (ص.5-13).
- عرض وتحليل بقلم شكيب أرسلان، كتبه سنة:1361هـ (ص.17-24).
- «أول تقريض»، بقلم محمد اليمني الناصري، سنة: 1357 هـ (ص.27-28).
- مقدمة الطبعة الأولى، بقلم المؤلف (ص.31-33).
وقد بادر عبد الله ﮔنون منذ السطور الأولى من مقدمة الطبعة الأولى لكتابه إلى الإعلان عن موضوعه والإطار الذي يشتغل ضمنه والأهداف التي يتوخاها. فقد أشار أولا إلى أن كتابه يجمع «بين العلم والأدب والتاريخ والسياسة»، وأنه جمع بين هذه العناصر من أجل «تصوير الحياة الفكرية لوطننا المغرب وتطورها في العصور المختلفة من لدن قدوم الفاتح الأول إلى قريب من وقتنا هذا» (ص. 31).
وبهذا التحديد فقد جعل ﮔنون كتابه يتحدث عن السياسة واتجاهاتها حسب الدول المتعاقبة في تاريخ المغرب، كما يتحدث عن الحركة العلمية التي عرفتها كل مرحلة، وفي إطار ذلك يتحدث عن الحركة الأدبية وتراجم الشعراء والأدباء عوما؛ وهذا ما جعل منه موسوعة تاريخية تفيد المؤرخ بقدر ما تفيد الناقد الأدبي ومؤرخ الأدب.
غير أن المؤلف كان أيضا – ومنذ البداية – على وعي بضرورة تحديد الخيط الناظم لكتابه، أي المحور الأساس الذي يستقطب جميع العناصر الأخرى، وهذا المحور هو «الأدب». قال ﮔنون: «والأدب لا نقول إنه الروح المتغلغلة فيه [أي في الكتاب] والحلة التي يبدو فيها للناس، بل نقول إننا ما تعرضنا لغيره من الأبحاث الأخرى إلا لنربط حلقات البحث الموصل إلى اكتناه حقيقة ماضينا الأدبي وتجليته على منصة العروس ليشاهده من كان يجادل فيه، ومن ثم كان اسم هذا الكتاب (النبوغ المغربي في الأدب العربي)» (ص.31).
يتعلق الأمر إذن بتأريخ الأدب العربي المغربي في إطار التاريخ السياسي وضمن تطور الحياة العلمية في المغرب وتطورها من عصر إلى آخر.
وقد عمل ﮔنون على تطبيق مشروعه التاريخي هذا في الجزء الأول من الكتاب، وذلك بأن بسط الأدب العربي المغربي وفق خمسة عصور سياسية هي:
-«عصر الفتوح»، ويعني بها الفتوحات الإسلامية الأولى وفتح إدريس الأول؛
- «عصر الموحدين»، وضمنه تحدث عن «عصر المرابطين»؛
-«عصر المرينيين»، وضمنه تحدث عن عصر الوطاسيين؛
- «عصر السعديين»؛
- «عصر العلويين».
وفي تناوله لكل عصر من هذه العصور نجده يبدأ بتقديم المعطيات التاريخية المتمثلة في الأحداث والوقائع وقيام الدولة، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن علاقة تلك الدولة بالثقافة والأدب، ثم يجعل ذلك مدخلا للحديث عن الحركة العلمية والأدبية في ذلك العصر، مُترجـِما لأهم كتابها وشعرائها. ويمكن أن يتبين هذا التنظيم المنهجي بإلقاء نظرة على محاور عصرين ننقلها هنا للتوضيح:
* عصر المرابطين: (ص.55 وما بعدها)
- سياسة الجامعة الإسلامية؛
- يوسف والمعتضد؛
- الحياة الفكرية في هذا العصر؛
- رعاية المرابطين للأدب وأهله؛
- تراجم بعض الشخصيات من هذا العصر؛
- تسمية بعض الكتب المؤلفة في هذا العصر.
* عصر الموحدين:  (ص.97 ما بعدها)
- انقلاب؛
- توحيد المغرب العربي؛
- الدولة والثقافة العربية؛
- الحركة العلمية؛
- الهيئة العلمية وآ ثارها؛
- الحياة الأدبية.
يتضح من خلال هذين النموذجين أن المؤلف يتخذ من الوقائع السياسية والتاريخية أرضية للحديث عن الوقائع الأدبية والشخصيات الأدبية؛ وهو في ذلك كله يُحَقــِّب الأدب وفق المعيار السياسي، دون غيره من المعايير.
بعد أن بسط عبد الله ﮔنون تصوره لتاريخ الأدب بسطا تطبيقيا في الجزء الأول، خصَّص الجزء الثاني لإيراد منتخبات من الأدب المنثور لأدباء سبق ذكرهم في الجزء الأول؛ وكذلك خصص الجزء الثالث لإيراد منتخبات شعرية حتى تكتمل الصورة التي رسمها الجزء الأول. وقد مهد للجزأين معا بقوله:«وهنا نحن نقدم للقارئ الأديب تلك الآثار والمنتخبات البديعة، مقسمين لها على قسمين، قسم المنثور (...) وقسم المنظوم(...)، مبوبين كل قسم أبوبا بحسب أغراضه وفنونه، غير معترضين بشرح أو بيان إلا للغريب الغامض الذي لا يسهل فهمه على كل الناس، وذلك رغبة في الإيجاز وعدم التشويش على المطالعين» (ص.326).
وقد بدأ الجزء الثاني بالأدب المنثور لأنه – في رأيه – أصل الكلام، ثم داخل هذا الجزء بدأ بالخطب «لأنها أول المحفوظ من نثر العرب»، ثم المناظرات «لمزيد شبهها بالخطب في الأسلوب والغرض»، ثم الرسائل «وهي أهم أغراض النثر»، ثم المقامات «وهي قصص قصيرة تُكتـَب بأسلوب أدبي مسجوع، وتشتمل على إفادات وإنشادات»، ثم المحاضرات «وهي من موضوع المقامات لاشتمالها مثلها على القصة والفائدة»، ثم المقالات «وهو باب جديد في الأدب العربي» (ص.326).
فالمؤلف إذن قد رتب المختارات وفق الأنواع والأجناس، وليس وفق التحقيب التاريخي المعتمد في الجزء الأول، وهذا ما فتح مدخلا آخر للأدب العربي في المغرب، غير المدخل التاريخي؛ لكن مع ذلك فقد ظل هذا الجزء تابعا للأول الذي هو صلب الدراسة وأرضيتها.
أما في الجزء الثالث، المخصص للمختارات الشعرية، فقد اعتمد المؤلف أبوابا تناسب الأغراض الشعرية المعروفة في الأدب العربي مند القديم: «ونأتي الآن في قسم المنظوم، الذي هو الجزء الثالث من الكتاب، بالآثار والمنتخبات الشعرية كما وعدنا، مقسمة إلى الأبواب المعروفة من الحماسة والغزل والوصف والمدح وغير ذلك(...). وقد ختمنا بباب خصصناه للموشحات والأزجال جمعا للنظائر وعناية بهذا النوع من الأدب المنظوم»(ص.938).
لقد اعتمد عبد الله ﮔنون - كما رأينا- مقاربة تاريخية تحقيبية، كانت هي الأساس في دراسته، ثم أعقبها بمختارات أدبية من النثر ومن الشعر حتى تتضح الصورة الأدبية التي رسم إطارها التاريخي في الجزء الأول، وحتى يبرز تميز كل من الشعراء والأدباء المذكورين.
وقد اعتبرنا كتاب "النبوغ المغربي" لعبد الله ﮔنون علامة فارقة تنتهي عندها (وبها) مرحلة بواكير النقد المغربي التي شكلت نشأة الدراسة الأدبية الحديثة، وتبدأ منها (وبها) مرحلة التأسيس والنضج؛ وذلك لأن كنون في هذا الكتاب قد استوعب مختلف المجهودات التي بُذِلت قبله في سبيل كتابة تاريخ الأدب العربي في المغرب، فاستفاد منها وأضاف إليها ما أعطى لكتابه اتساعا وشمولا ورؤية واضحة.
وبذلك فقد مهد ﮔنون لدراسات كثيرة ستأتي بعد كتاب "النبوغ المغربي"، لتعمق الرؤية وترسخ المنهج ، سواء في تاريخ الأدبي المغربي قاطبة أو في تأريخ الشعر منه على الخصوص، أو في التركيز على عصر واحد من عصور الأدب المغربي.
وقد سار ﮔنون نفسه على نهجه التأريخي في كتب أخرى كتبها فيما بعد، منها "ذكريات مشاهير رجال المغرب"[2] و"أمراؤنا الشعراء"[3] و"أدب الفقهاء"[4] و"القاضي عياض بين العلم والأدب"[5] و"أحاديث عن الأدب المغربي الحديث"[6]. كما سار على نفس النهج أيضا في مقالاته العديدة والمتنوعة[7].






[1]- صدرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن دار الكتاب اللبناني في بيروت سنة 1961؛ ثم صدرت طبعة ثالثة عن نفس الناشر سنة 1975، وهناك الآن طبعة أخرى جديدة نشرتها دار الثقافة بالدار البيضاء (دون تاريخ)، وهي الطبعة التي نعتمدها هنا.
[2]- سلسلة ترجم فيها ﮔنون لشخصيات مغربية من ميادين الأدب والسياسة والعلم؛ صدر منها الجزء الأول عن معهد مولاي الحسن للأبحاث بتطوان سنة 1949، وصدر جزؤها الثاني عن دار الكتاب اللبناني ببيروت سنة 1974.
[3]- صدر عن المطبعة المهدية بتطوان، سنة 1361 هـ/ 1943 م.
[4]- صدر عن دار الثقافة بالدار البيضاء، سنة 1988.
[5]- صدر ضمن سلسلة" المكتبة الصغيرة"، عدد 42 منشورات دار الرفاعي، الرباط، سنة 1403ه/1983م.
[6]- صدر عن معهد الدراسات العربية بالقاهرة، سنة 1964؛ ثم بعد ذلك نشرته دار الثقافة بالدار البيضاء سنة 1978 وسنة 1984.
[7]- معظم مقالات عبد الله ﮔنون المتعلقة بالأدب والنقد تم نشرها في كتب "واحة الفكر" و "التعاشيب" و "خل وبقل" و"العصف والريحان". انظر حول عبد الله ﮔنون: أحمد الشايب، الدراسة الأدبية في المغرب، عبد الله ﮔنون نموذجا. منشورات مدرسة الملك فهد العليا للترجمة (طنجة)، جامعة عبد الملك السعدي، تطوان، 1991.

    المسرح في العصر الوسيط ا لأستاذ عبد الواحد المرابط   يقع العصر الوسيط بين العصر القديم والعصر الحديث، حيث بدأ مع سقوط الإمبراطورية...