الأستاذ عبد الواحد المرابط
------------------------------------------
● المسرح
الرومانسي
ظهر المسرح الرومانسي في أواخر القرن الثامن عشر وامتد إلى أواخر القرن
التاسع عشر، متأثرا بالرومانسيين الألمان، ومن كتابات شكسبير والدراما
البورجوازية، غير أنه بلور تصوراته الجمالية بشكل مستقل عنها.
كانت نقطة انطلاق المسرح الرومانسي هي رفض القواعد الكلاسية التقليدية في
معظمها، وإبدالها بقوانين الطبيعة؛ فقد تم التشكيك في أهمية وحدة الحدث ووحدة
المكان ووحدة الزمن، وفي مبدأ "الاحتمال" ومبدأ "اللياقة"،
كما تم التشكيك في ضرورة اللغة الشعرية الإسكندرية التي كانت الحوارات المسرحية
تقوم عليها.
إن المسرح عند الرومانسيين يقدم منظورا كليا للعالم، يعيد صياغة (transfiguration) العالم بشكل يبرز خصائصه
وألوانه. فهو لا يسعى إلى تجميله، بل إلى معرفته والتعبير عنه. وفي سياق ذلك يركز
على تعقيدات الإنسان وتناقضاته، وهذا ما حدا به إلى ضروب من المزج والجمع؛ منها
الجمع بين التراجيديا والكوميديا ضمن نوع درامي واحد ومنسجم، والجمع بين الأسلوب العاطفي
(pathétique) والأسلوب
الهزلي (burlesque)، والجمع
بين السامي (Sublime) والوضيع
(Grotesque)، والجمع
بين النثر والشعر. فالمسرح بالنسبة للرومانسيين مرآة تنعكس فيها الطبيعة بكل
مظاهرها وأبعادها، لذلك أحدثوا قطيعة بين عالم العقل وعالم العاطفة، ودعوا إلى
حرية التعبير.
اتخذ المسرح الرومانسي التاريخَ مادة أولية يستقي منها أحداثه وشخصياته،
وبذلك استبدله بالأساطير والملاحم التي كان المسرح التقليدي ينهل منها. وقد سمح له
هذا الاستناد التاريخي بالتعبير عن الخصوصيات المحلية للشرط الإنساني، وإعادة
إنتاج الماضي، وإبرازِ العلائق بين الماضي والحاضر، واستشرافِ المستقبل.
رفض الرومانسيون شخصيات المسرح الكلاسيكي النمطية، حيث يكون الأبطال من
النبلاء؛ فقد أَحَلَّ نُبْلَ الروح مَحَلَّ نُبْلِ الدَّم، فبلور أبطالا ذوي
حساسية مفرطة تعبر عن "ألم القرن"، حتى وإن كانوا مهمشين في المجتمع. فالبطل
الرومانسي يعبر عن العاطفة الجماعية من خلال تجربته الفردية الخاصة والمعقدة، ومن
خلال روحه العذبة والتواقة إلى الحرية. أما الحبكة فهي تتمركز حول عواطف البطل
الرئيسي، الذي يتطور بتطور الحبكة والأحداث، تقوده في ذلك رغباته، لتنتهي به إلى
نهاية حتمية تدل على تضحيته والتزامه الأخلاقي. لقد سعى المسرح الرومانسي إلى تحريك
حساسية المتفرج، من خلال مواضيع شعبية، للوصول إلى غاية اجتماعية وأخلاقية، وإلى
إبلاغ رسائله الأخلاقية والفلسفية.
وقد تجسد هذا المسرح في أعمال الألمان جوهان كوته (Goethe) (تـ 1832) وكوتلوب ليسينك (Lessing) (تـ 1781) وجوهان هيردير (Herder) (تـ 1803) وفريديريش شيلير (Schiller) (تـ 1805)، والفرنسيين فيكتور هيكو (Hugo) (تـ 1885) وتيوفيل كوتيي (Gautier) (تـ 1872) وألفريد دو موسي (de Musset) (تـ 1857) وألفريد دو فينيي (Vigny) (تـ 1863) وإدمون روسْتوند (Rostand) (تـ 1918)، والإنكليزييْن جورج بيرون (Byron) (تـ 1824) وجورج ليلو (Lillo) (تـ 1739)، والسكوتلاندي والْتر سكوت (Scott) (تـ 1832)، والإيرلندي ريشارد سْتيل (Steele ) (تـ 1729) والإسبان أنخيل دي سافيدرا (de Saavedra) (تـ 1865) وكارسيا كيتييريز (Gutiérrez) (تـ 1884) وخوصي زاريلّا (Zorrilla ) (تـ 1893)...
وقد شكلت الدراما الرومانسية (Drame romantique) في فرنسا أبرز تجارب المسرح الرومانسي، وهي تجربة
دعا إليها فيكتور هيكو في مسرحياته وكتاباته النظرية. ففي مقدمة مسرحيته
"كرومويل" (Cromwell)، ميز
ثلاث حقب في تاريخ التعبير الفني الإنساني: الأولى بدائية ذات طابع غنائي (lyrisme)،
والثانية قديمة ذات طابع ملحمي، والثالثة حديثة ذات طابع درامي؛ لذلك دعا إلى
دراما حديثة تتخلي عن قواعد المسرح التقليدي، وعن ثنائية التراجيديا والكوميديا،
وعن اللغة الشعرية الخالصة، كما دعا إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والزمنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق