الأستاذ
عبد الواحد المرابط
------------------------------------------
● الدراما البرجوازية
تميز
القرن الثامن عشر بانحسار التقاليد والقواعد الكلاسيكية في المسرح وفي غيره من
الفنون، حيث ظهرت بوادر جنس مسرحي جديد هو "الدراما البورجوازية" (Drame bourgeois)، التي تبلورت في سياق تحولات تاريخية واجتماعية
أفرزت الطبقةَ البورجوازية وأفكارَ فلاسفة الأنوار. وكان أول من أشار إليها وسماها
بهذا الاسم دينيس ديدرو في كتابه "حوارات حول الابن الطبيعي" (Entretiens sur le Fils naturel) (1757)، غير أنها عرفت تسميات وأوصافا أخرى حسب البلدان والاتجاهات، وتقاطعت مع
أنواع مسرحية جديدة، منها "التراجيديا الشعبية" و"التراجيديا
العائلية" (Domestique) و"الدراما
العائلية" و"الكوميديا الدامعة" (Comédie larmoyante) و"الكوميديا الأخلاقية" (Comédie des mœurs) و"الكوميديا البطولية" (Comédie Héroïque) و"الأوبرا الكوميدية"...
وقد
تميزت الدراما البورجوازية بمجموعة من المميزات المهمة؛ حيث أحدثت قطيعة مع
التمييز التقليدي بين التراجيديا والكوميديا، فقدمت نوعا وسيطا بينهما يجمع بين الجد
والهزل، وبين البكاء والضحك، إذ يجعل الأبطال أشقياء فيُبكي المتفرجين ويثير لديهم
مشاعر الحزن الشفقة، ثم لا يلبث أن يُفْرِحُهم ويُضْحِكُهم بنهايات سعيدة. ومن جهة
أخرى تخلت هذه الدراما عن وحدتَي الزمان والمكان التقليديتين، وعن مبدأ
"الاحتمال" (Vraisemblance) الذي قام عليه المسرح
الكلاسي، وجعلت الحدث الدرامي ينغرس في السياق التاريخي والاجتماعي، ويقترب من
الواقع من خلال مواضيع سياسية واجتماعية ذات منحى ثوري.
تقدم
الدراما البورجوازية الإنسان في سياقه اليومي بعيدا عن البطولات الملحمية والقيم
الأرستقراطية القديمة؛ فالأحداث مستقاة من الحياة لا من التاريخ والملاحم
والأساطير، تَعرض - في الغالب - مشكلات أو قضايا عائلية ذات منحى واقعي، من خلال
مواضيع عاطفية تجمع بين الحزن والفرح، وتثير قضايا اجتماعية وسياسية يعيشها
الجمهور في حياته اليومية. أما الشخصيات فهي من الطبقة البورجوازية الناشئة لا من
النبلاء،
أما
على مستوى العرض المسرحي، فقد عملت الدراما البورجوازية على الفصل بين الرُّكح
والجمهور لتحقيق الإيهام المسرحي، واعتنت كثيرا بالديكور من خلال اعتماد منظورات
بصرية تضفي على المكان طابعا واقعيا، وجعلت الحوارات تعتمد لغة نثرية بسيطة ومتداولة.
وقد
تجسدت الدراما البورجوازية في أعمال الكثير من الكتاب والمسرحين، منهم الفرنسيون دينيس
ديدرو (Diderot) (تـ 1784) وبيير أوكِستان دو بومارشي (Beaumarchais) (تـ 1799) وبّْيير ماريفو (Marivaux) (تـ 1763) وميشيل جان سيدين (Sedaine) (تـ 1797) وفرانسوا فولتير[1] (Voltaire) (تـ 1778) ولوي سيباستيان ميرسيي (Mercier) (تـ 1814) وجان فرانسوا رينار (Regnard)
(تـ 1907) وألان روني لوساج (Le Sage) (تـ 1747)، والبريطاني إدوار
مور (Moore) (تـ 1757)، والألماني كوتلوب ليسينك (Lessing)
(تـ 1782)، والإيرلندي ريشارد ستيل (Steele) (تـ 1729)، والإنكليزي جورج
ليلو (Lillo) (تـ 1739)،
والإيطالي كارلوس كولدوني (Goldoni) (تـ 1793).
يمكن
أن نقرب بعض خصائص الدراما البورجوازية من خلال الإشارة المختصرة إلى مسرحية
"الابن الطبيعي" (Le
Fils naturel) (1757) لدينيس ديدرو؛ فهي تعرض
قصة الشاب دورفال (Dorval)، الذي كان في ضيافة صديقه
كليرفيل (Clairville) وأختِه كونستانس (Constance)، فوجد نفسه ممزقا بين واجب الصداقة (الفضيلة)
ومشاعر الحب (العاطفة)؛ وذلك لأنه من جهة أولى أَحَبَّ روزالي (Rosalie) خطيبةَ صديقه، ومن جهة ثانية كشفت له كونستانس عن حبها
له. عاشت الشخصيات (ومعها الجمهور) أحداثا حزينة ومتقلبة، قبل أن يختار دورفال
واجب الصداقة ويقرر أن يتكفل بمصاريف زواج صديقه من خطيبته. وفي أوج هذه الحبكة،
ظهر ليزيموند (Lysimond)، أبو روزالي الذي كان في
سفر، فكشف أن دورفال ابنه الطبيعي (غير الشرعي) وبالتالي فهو وروزالي أخوان، فكانت
النهاية سعيدة بزواج دورفان من كونستانس وزواج كليرفيل من روزالي.
[1]-
حافظ فولتير
على بنية التراجيديا التقليدية وعلى وعلى لغتها الشعرية، غير أنه أدخل عليها
مواضيع بورجوازية. كما أنه كتب كوميديات أخلاقية تندرج في إطار الدراما
البورجوازية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق